سيدي الرئيس: هدم الكعبة “لا القصر” أهون عند الله من إزهاق ارواح بسبب اصرار الجماعة
كتب أيمن الصياد، مستشار الرئيس محمد مرسي، الذي تقدم بإستقالته قبل أسابيع، مقالا اليوم في صحيفة الشروق المصرية، بعنوان “خطاب مفتوح إلى سيادة الرئيس”، كشف فيه أسباب إقدامه، مع غيره من المستشارين، على التقدم باستقالاتهم من الهيئة الاستشارية.
وقال الصياد في مقاله “هذا خطاب يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة أسابيع كاملة، عشية أن اتخذنا وعدد من زملائى قرارا بالإعلان عن أن «لا فائدة» من استمرارنا فى الهيئة الاستشارية لرئاسة الجمهورية. ولكنى إدراكا «لدقة اللحظة»، فضلت ألا أدفع به للنشر وقتها، منتظرا أن ينتهى «صخب» الاستفتاء، بكل ما صاحبه من افتراء واجتراء ولا معقولية. برغم أنى كنت قد وعدت المسئولين عن هذه الجريدة بأن أعطيه لهم وقتها، فإنهم مشكورون قدروا دوافعى لإرجاء نشره.
وبدأ الصياد في مقاله مخاطبة الرئيس قائلا ” سيدى الرئيس..
لأسباب عدة ومفهومة، ترددت كثيرا أن أكتب إليك هذا الخطاب. كما لم تكن نيتى فى البداية أن يكون مفتوحا. ولكن مياها كثيرة جرت فى النهر، وكل ما فيه على أية حال كان أن سمعته منى «فى القصر» إن فى اجتماعات موسعة أو ضيقة. أما وقد كان ما كان. ولأن «الصدق منجاة»، والشفافية هى أساس الديمقراطية، ولأن التطورات ــ على أية حال ــ قد تجاوزت للأسف كل ما فيه. فلعلك تأذن لى أن أكتب إليك. وأن يكون كتابى إليك «مفتوحا».
ومضى الصياد يقول:
سيدى الرئيس
لن نخوض فى تفاصيل ليس مكانها ــ بالتأكيد ــ خطابا مفتوحا. فالعبرة فى النهاية بالنتائج والخواتيم. وما نراه الآن، ولعله لا يخفى على أحد، هو مزيد من الاستقطاب ومزيد من الضرر لشعبية رئيس اخترنا أن نقف بجانبه ونؤيده فى مواجهة نظام لم نكن نريد له أن يعود.
وإذ نعترف أننا فشلنا، لأسباب باتت مفهومة وواضحة فى جسر فجوة تزداد يوما بعد يوم بين جماعة الرئيس «ومناصريهم» من ناحية وبين سائر أطياف الوطن، سياسية ودينية من ناحية أخرى. نجد أن لا جدوى من وجودنا.
وإذ ندرك ويدرك الجميع أسباب استقطاب حاد بات يضرب أطناب الوطن، ويهدد بتفككه، نستشعر للأسف استهانة بالأمر فى دوائر صنع القرار. كما لا نستشعر اهتماما جديا فى مساعدتنا فى معالجة داء نراه لن يضرب ثورة «كل الشعب» فى جوهرها الأصيل فقط، بل سيضرب وحدة هذا الشعب فى الصميم. وهو خطر إن عجزنا بغض النظر عن الأسباب عن مقاومته، لا بد أن يكون لدينا شجاعة الاعتراف بالفشل الذى نحن متأكدون أنكم تعلمون أسبابه بخاصة قد أوضحناها أكثر من مرة. مؤكدين خطورتها وأكثر من مرة.
وأوضح الصياد قائلا:
سيدي الرئيس
كنا الداعين لحوار، أردنا أن يكون حقيقيا وفعالا. إلا أنه لم ينجح لأسباب «منهجية» واضحة وإن تجاهلناها. فالعبرة تظل دائما فى حقائق الأشياء، بغض النظر عن ما نطلقه عليها من أسماء.
قلنا إننا نعرف أن هناك بالقطع مؤامرات تستهدف هذا البلد وتستهدف ثورته. وهذا «طبيعى» مع بلد بمثل هذا الحجم وتلك المكانة. ولكننا نعرف أيضا من «ألف باء» السياسة. أن أول شىء يجب أن نحرص عليه عندما تكون هناك مؤامرات أو تحديات هو «وحدة الجبهة الداخلية». وهو الأمر الذى أهدرناه يوما بعد يوم.. والتفاصيل هنا كثيرة جدا، وقديمة جدا.
ومضى الصياد قائلا:
سيدى الرئيس
لأنك تعرفنا، أثق فى أنك تعرف أن خطوتنا هذه لم تكن ــ كما يحاول البعض هنا وهناك أن يصورها ــ انحيازا لمربع ضد آخر. بل هى فى أصلها رفض لفكرة أن «ينقسم» البلد فى النهاية إلى مربعين. والكارثة أن يكون هذا الانقسام على الهوية.
كان هدفنا، ولم يكن لنا هدف غيره. أن نعود بمصر إلى لحظة وحدتها الحقيقية العبقرية عشية الحادى عشر من فبراير ٢٠١١، يومها سمعت بأذنى مسيحيين مصريين يرددون دعاء التهجد خلف الشيخ محمد جبريل. اليوم أسمعهم يبحثون عن تأشيرة خروج بلا عودة.
وأوضح الصياد نقاط خلافه قائلا:
سيدى الرئيس
كتبت السطر الأول فى هذا الخطاب يوم خرج «رئيس مصر»، لا ليخاطب شعبه كله، بل ليخاطب جماعة «نقدرها» من جماعات الوطن حشدوا لتأييده على باب قصر كنا نريده قصرا «للوطن» كله لا لجماعة مهما كان تقديرنا لها أو لدورها.
وكتبت السطر الثانى فى هذا الخطاب يوم دعت «الجماعة» ــ فى خلاف، كان ينبغى أن يظل سياسيا ــ الى مليونية لنصرة «شريعة الله وشرعية الرئيس». ولم يكن هذا الربط مما يحتمله إيمانى كما أفهمه.
وكتبت السطر الأخير فى هذا الخطاب، يوم فشلنا «مع زملائى» فى إقناع الجماعة على أن تعدل عن إرسال شبابها إلى حيث يمكن أن تكون هناك فرصة لإراقة الدماء، وإزهاق أرواح نعلم أن هدم أحجار الكعبة «لا القصر» حجرا حجرا أهون عند الله من إزهاقها.
سيدى الرئيس
لا أحد يجادل فى شرعية الصندوق. وليس على هذا نعترض. ولكن ما جرى من تصوير الأمر على أنه تصويت على شريعة الله، بعد أن تم ربطها بشرعية الرئيس، فأعرف أنك توافقنى على أن هذا ما كان ينبغى له أن يكون. مهما كانت حسابات الصناديق وتحالفاتها. وأن تصوير الأمر على أن من يعترضون على قرارات للرئيس مهما كانت «ومهما كان» هو اعتراض على شريعة الله، فيه تجاوز ما بعده تجاوز. خاصة وقد كان بين المعارضين لبعض قرارات الرئيس (فضلا عن نائبه الذى أعلن بوضوح عدم رضاه عن الاعلان الدستورى الذى أدخلنا فى هذه الأزمة، وكذلك القانون الذى سمى بقانون حماية الثورة)، أسماء مثل طارق البشرى ونهى الزينى وعبدالمنعم أبوالفتوح.. وغيرهم كثير. كما كان من بين من انسحب من اللجنة الاستشارية للتأسيسية أسماء مثل أحمد كمال أبوالمجد وهبة رؤوف وصلاح عز.. لا نزكى على الله أحدا. ولكن وضع الأمور فى نصابها يظل واجبا، حين تبدو «سكرة الصندوق» وقد ذهبت عند البعض ــ وقتها ــ بما يقتضيه القول من صدق وإنصاف، وما يقتضيه الفعلُ من حكمة وروية.
أقف ومتأكدٌ أنك توافقنى ضد ما أراه ملامح لفاشية دينية اليوم، كما وقفت معكم ضد ما بدا بوادر لفاشية عسكرية قبل أشهر.
وأضاف الصياد مخاطبا الرئيس:
سيدى الرئيس
إنصافا، فالكل مخطئ «لا أستثنى أحدا». وإن كان مما يلزم به الإنصاف الإشارة إلى شطط فى «بعض» ما ذهبت اليه تصريحات لبعض رموز تحسب نفسها على المعارضة، إلا أننى من الذين يعرفون بحكم مهنتى على الأقل أن هذه طبيعة المعارضة فى الدنيا كلها. وممن يعتقدون أن مسئولية ربان السفينة «شخصا أو جماعة» تبقى دائما أكبر من مسئولية راكبيها. ثم إننا من الذين قالوا إن المعارضة «الحقيقية» لا ينبغى أن نراها محصورة فى شخوص سياسية بعينها، بل هى تتجسد فى الواقع فى شارع عريض قلق، وشباب يرى دماء رفاقه وقد ذهبت سدى. وأن ما لهذا قام بثورته. أولئك الأنقياء من شباب هذا الوطن وفتياته، والذين كانوا فى طليعة هذه الثورة «يدا بيد» غير منشغلين بانتماءات سياسية أو دينية أو بحسابات صناديق أو بثأرات قديمة.
ولعلى أتمنى عليك ــ وأنا أعرف أنك تستمع جيدا ــ أن تسأل بعض من تثق فى صدق نصحهم: لماذا نخسر كل يوم عددا ممن أيدونا يوما، إن فى «فيرمونت» أو خارجه؟
سيدى الرئيس
لست سياسيا، ولم أنتم يوما إلى حزب أو جماعة. ولم أعمل طيلة عمرى فى وظيفة حكومية صغرت أو كبرت. وتعلم أننى اعتذرت ــ رغم الإلحاح ــ عن قبول ما تفضلتم به يوما من رغبة كريمة بأن أكون وزيرا فى الحكومة. وقلت شاكرا ومقدرا إننى لا أصلح لمثل هذا المنصب. فما أنا الا «صاحب رأى»، يخطئ ويصيب. ولكن تظل قيمته فى استقلاله وحريته. وتشهد المراسلات المتبادلة بينى وبين فريقكم، وكذلك كل ما هو موجود من «أرشيف» أو تسجيلات للقاءات أجريت معى، كم حاولت أن تكون المهمة الوحيدة أمام هذه الهيئة الاستشارية هو المعاونة فى استيفاء شروط «التحول الديمقراطى»، ورغم ما بدا من أن الأمور لا تسير بالضبط فى هذا الاتجاه، فقد استخرت الله وقتها وقررت أن أكون موجودا، فى محاولة للإمساك بهدفين: أولهما البحث عن طريق لعودة المصريين «يدا واحدة».. وأعترف بأننى قد فشلت. والثانى الدفاع عن حرية التعبير والإعلام، بوصفها أداة لا غنى عنها لتقدم الدول. وربما يذكر الفضلاء الذين حضروا اجتماعاتنا أننى لطالما قلت أمامك فى مواجهة الضجرين من تجاوزات هنا وهناك أن «مشاكل الحرية والديمقراطية، لا يعالجها الا مزيد من الحرية والديمقراطية». والآن، وأنا أبتعد ربما عن دائرة التأثير المباشر فى هذا الملف، وأرى فى الأفق ما يحيكه البعض، أسمح لنفسى بأن «أوصيك خيرا» بحرية التعبير والإعلام.
واختتم الصياد مقاله وكلامه الموجه إلى الرئيس قائلا:
إننى حين أستشعر الخطر قادما يهدد الوطن، بل ويراه البعض يهدد «الجماعة»، لا يسعنى إلا أن أدعو الله أن أكون مخطئا.