هيكل يكشف لـ “السباعى” عن عدد مليارات مبارك ومن “ذبحوا أنفسهم تحت أقدامه”
اختتمت اليوم صحيفة “الأهرام”، نشر حوارها المهم والقيم، الذى أجراه الأستاذ لبيب السباعى رئيس مجلس إدارة المؤسسة، مع الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، نشر على ثلاث حلقات، وفتح خلالها ملفات ساخنة، داخليا وخارجيا.
وخلال الجزء الثالث الذى نشرته “الأهرام” اليوم تكلم “الأستاذ” عن محاكمات رموز الفساد في النظام السابق وما جري للثورة الناعمة المصرية، وملفات الفساد الثلاثة، وتطرق لأول مرة لجانب من حياته العائلية، والتي ظل حريصا علي أن يضع خطا فاصلا بينها وبين حياته الصحفية لولا بلاغات عما سموه نجل هيكل، كما شرح “الأستاذ هيكل” في حواره رؤيته وتحليله للمشهد العام ومبررات آرائه في المرشحين لرئاسة الجمهورية.
بدأ الجزء الثالث بتساؤل من الأستاذ لبيب، حول محاكمات رموز النظام السابق، وهل كان يتوقع الكاتب الكبير أن يكون الفساد بهذا الحجم والعمق والاتساع ؟
فأجاب “الأستاذ” قائلا: عندنا في موضوع الفساد 3 قضايا أساسية: الأولى قضايا الفساد المالي والإداري، والثانية قضايا الفساد الإستراتيجي والسياسي، والأخيرة قضايا الفساد المتعلقة بجرائم إنسانية مثل التعذيب في السجون والقتل.
أضاف الأستاذ هيكل: أنا أعتقد أنه لا ينبغي أن تعطل المستقبل لكي تحاسب علي ما جري بالأمس، لابد من عملية فصل، ننشئ بها هيئة قانونية قضائية وسياسية خاصة للتحقيقات في كل ما جري، لأنه موضوع لابد من استيفائه والوصول فيه لنتيجه حاسمة وقاطعة وعادلة، فترك كل شيء للنيابة العامة ظلم كبير لها، فهي مشغولة بأعباء لديها كثيرة خاصة فيما يتعلق بملف الأمن، فنحن نلقي علي النيابة العامة والنائب العام أكثر مما يستطيعون تحمله، ومع الأسف الشديد في المجتمع المصري الشكاوي الكيدية بالآلاف وأنا أسمع عنها الكثير.. وهذا طبيعي في مجتمع مظلوم وكل من فيه مستعد أحيانا للشكوي بداع حقيقي أو بداع نفسي أو بداع متصور، وهذا وقع في بلدان أخرى.. فرنسا بعد ثورتها الكبري أسست لجنة لـ “الأمن الوطني العام”، كما أنه من الصعب في بعض القضايا أن تفصلها عن بعضها.
السياسة باستمرار كانت حاضرة في الجامعة وفي الإعلام، لأن السياسة تحتاج دائما إلي عملية التجدد الفكري والتواصل مع العالم، نحن في زمن سابق في الأهرام بالتحديد أنشأنا مركزا للدراسات السياسية والإستراتيجية، وهذا المركز ضخ كثيرا من الرؤي النافعة للعمل السياسي ذلك الوقت، لكنه في ذلك الوقت لم يكن موصولا بأي تنظيم حزبي، لا بالاتحاد الاشتراكي ولا بغيره، كان يهتم بقضايا السياسة والإستراتيجية في مصر وفي العالم العربي، إلي علاقة العرب بالعالم.. وكان ما يقال وينشر عنه أوسع من مصلحة حزب أو مصلحة جماعة.
كان ذلك المركز يقول وينشر، وكان يدير الحوارات حول الصراعات الوطنية والقومية كلها، ويتيح ما يدور فيها للعلم العام، ليستفيد بها من يستفيد، ويناقشها من يريد أن يناقشها.
من الإنصاف أن ألاحظ أن مركز “الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية”، لايزال يواصل دوره بكفاءة، لكننا لا نكون صادقين مع أنفسنا إذا لم نقل إنه كانت هناك جهود حقيقية ومنظمة لاختراقه، نجحت أو فشلت، وإلي أي مدي هذه مسألة تدرس، وهذا نموذج في مراكز أخري، وفي مواقع أخري للعلم والتنوير، لكن محاولات الاختراق لم تتوقف.
فى تساؤل حيوى وفى توقيت قيق لمعرفة التهم الموجهة للناظم السابق، سأل الأستاذ لبيب: محاكمات الفساد السياسي والإستراتيجي، ربما مازالت ملفات مؤجلة لأن الاتهامات فيها تحتاج إلي تحديد.. فما الذي يمكن أن يوجه من اتهامات للنظام التي ستواجه “النظام السابق” في هذا الملف ؟!
فأجاب “الأستاذ الكبير”: علي سبيل المثال هناك في الداخل ما يخص المشكلة الطائفيةومياه النيل والتلاعب بالدساتير والنصوص، والعدوان علي حقوق الإنسان، وهناك ما يخص الشأن الخارجي، مثلا موضوع التنسيق الأمني مع إسرائيل، وأعتقد أننا وصلنا فيه لأكثر مما تتطلبه الأشياء، إلي جانب بعض ما قمنا به في الدول العربية، كل هذا وغيره ظاهر الآن لا يحتاج تفصيلا جديدا غير ما سبق أن ذكرته في جزء سابق من هذا الحديث، يحتاج إلي حساب سياسي بشكل مختلف لأنها ليست جرائم جنائية.
وبتساؤل مباشر حمل معه بعض الإحراج قال الأستاذ لبيب: مع الحرج من السؤال.. هل شعرت بالقلق عند ذكر اسم أحد أنجالك في بلاغات للنائب العام؟!
فأجاب الأستاذ هيكل: إنني موافق علي طرح هذا السؤال رغم تحرجك في توجيهه مع أنني أنا أيضا أتحرج في الإجابة عنه..إنني ترددت إلي حد العذاب قبل أن أكون مستعدا للكلام فيه، لكنني أشعر بالأسف فربما كانت حكاية نجل هيكل مرجعها قول أو موقف للأب، وقع بسببه خلاف من أطراف، ثم انسحب تأثير الخلاف علي أقرب الناس إليه وذلك يحزنه، وفي نفس الوقت فإن بين هؤلاء الأقرب من يخشي أن يكون قد أساء لي ببعض ما نشر وذلك يحزنه هو الآخر، ولو أن ما نشر كان صحيحا لكانت تلك هي الإساءة، أما وأنا أعرف الحقيقة فقد رضيت الانتظار حتي لا يظل هناك مجال لالتباس أو ظن، بل وكنت أوثر السكوت، لكن تلك العناوين الصارخة عن نجل هيكل لم تترك لي خيارا غير العذاب بين نقيضين: عذاب الصمت، أو عذاب الكلام!!
وأقول لك مباشرة إنني أعلم وبثقة أن أحدا من أبنائي لم يكن لا صديقا ولا شريكا لأحد من أسرة الرئيس السابق مبارك، وحتي لو تصور أحدهم مثل هذه الصداقة أو الشراكة، لصد الطرف الآخر وأعرض، لأن الكل يعرف من موقفي ما هو معروف، مما لا سر فيه.
وبرغم ذلك أتساءل، ولنكن أمناء مع النفس: من كان لا يريد ولا يرغب في صداقة أو شراكة مع أبناء الرئيس، لقد كان الكل يتسابق، وذبح الكثيرون أنفسهم تحت أقدام نجل الرئيس والرئيس وقرينته وأقدام كل من ارتبط بهم، لكن مثل ذلك لم يقع من أي واحد من أبنائي، ببساطة لسبب يتعلق بمواقفي وحساسية ما كنت أتحدث فيه دائما.. خصوصا قضية التوريث، ولقد آثر أبنائي أن يبتعدوا، وقلت إنهم لو حاولوا الاقتراب لما وصلوا، وهم علي أي حال احترموا أنفسهم واحتفظوا بمسافتهم واسعة، وذلك أعرفه بيقين.
إنني أشعر بالعذاب كما قلت لك وأنا أقول ما قلته، لكن هناك من لم يترك لي الفرصة.. وقلت لك ذلك كله، ثم أودع عندك ملفا كاملا بشأنه يحفظ في سجلات الأهرام.
وتطرق الأستاذ هيكل إلى جانب آخر من حواره عن ثروة الرئيس السابق حسنى مبارك وأسرته، قائلا: لقد كان هناك فساد واستغلال كبير في عهد مبارك، ولكن علي كل من يقذف بالأرقام، أن يراجعها أولا بالعقل والمنطق، قبل القياس والحساب لابد من تحقيق في كل ما جري ولابد من مسئولية ومسئولين- لابد من حساب، لكن كل حساب له قواعد وإذا كان هناك من يريد أن يتحدث عن ثروة مبارك في الخارج فأنا لا أقتنع إلا بمعلومات موثقة من مصادر دورية محترمة، وفي الأرقام التي قرأتها بنفسي تقريران: الأول تقرير بمعلومات متوافرة لدي البنك الدولي وهي متوافقة مع تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهي تتحدث عن هذه الأموال الموجودة في الخارج وتقدرها فيما بين 9 و11 مليار دولار وهذا في حد ذاته رقم مهول.
أما الثانى، وطبقا لتقارير اتحاد البنوك السويسرية والحكومة السويسرية فإن هناك حسابات لـ9 أشخاص من عائلة مبارك موجودة في بنوك سويسرا مقدارها 512 مليون فرنك سويسري أي ثلاثة أرباع مليار دولار ولقد تأكد هذا الرقم رسميا تقريبا لأن الوفد السويسري الذي زار مصر أخيرا لإبلاغها بحسابات أسرة مبارك في سويسرا أشار إلي ذات الرقم وأبدي الاستعداد لإعادته إلي الحكومة المصرية فور صدور حكم قضائي مصري.
اختتم الكاتب الكبير حواره القيم مع الأستاذ لبيب السباعى قائلا: أخيرا هناك خلاصة نهائية لكل ما أقول أو يقول غيري مؤداها أنني لا أملك ولا يملك غيري من جيلي أن يتكلم إلا بما يري تاركين الباقي كله لأجيال جديدة هي التي تملك المستقبل وهي التي تصنعه، ومعه ما تراه لأنها سوف تعيش فيه.
وكل ما نستطيع أن نرجوها فيه به “ادرسوا من فضلكم بدقة أحوال وطنكم، وانظروا حولكم في الإقليم وفي العصر، وتصرفوا وفق ما تختارون”.