حادثة الإفك والدروس المستفادة
حادثة الإفك والدروس المستفادة
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 11].
الأحداث العظام تربي الأمم، ويخرج من بين هذه الأحداث نتائج عظيمة، ودروس مفيدة للأفراد والمجتمع والأمة، وهذا ما سنعيش اليوم مع هذه القصة التي زلزلت المدينة المنورة.
لقد عاشت المدينة وقتا عصيبا، وتكلفت نفوس ساكنيها عبئا ثقيلا نتيجة لهذا الحادث الأليم الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش لحظات شديدة، وكذلك الصديق أبو بكر وبيته، وأم المؤمنين عائشة، بل يستطيع المسلم أن يجزم بأن كل مسلم في المدينة أو حولها أو وصل إلي أسماعه هذا الأمر قد عاش في ذهول، إنها كلمات، وأي كلمات، كلمات وصفها القرآن الكريم: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ) [النور: 15]. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا سهلت الكلمات على الألسنة وما حقيقة هذه القلوب وكيف طاوعتها الألسنة.
الموضوع حول الأعراض ولذا كانت خطورته.
إننا أمام زوجة طاهرة، وأي زوجة، وأي بنت هي، إنها الصديقة بنت الصديق، الطاهرة بشهادة الله سبحانه وتعالى لها، امرأة ارتضاها الله زوجة لنبيه ورسوله وخاتم الأنبياء والمرسلين حبيب الرحمن محمد صلى الله عليه وسلم ، فهي بنت خير هذه الأمة بعد رسولها، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفوق هذا كله فإننا أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلوكه الألسنة، وتتجرأ عليه النفوس الضعيفة، لقد وجدت لها طريقا تبث من خلاله بعض ما أخفته كثيراً.
لقد شهد مجتمع المدينة، بل المجتمع الإسلامي بكل أبعاده معارك كثيرة، غزوة بدر، وغزوة أحد وما كان فيها من شهداء، وما حدث فيها للنبي صلى الله عليه وسلم من كسر رباعيته، أحداث عظيمة كانت في مكة من قبل، كل هذه الحوادث متوقعة فهي من الأعداء، والإنسان يستعد لمثل هؤلاء ويأخذ حذره ويتوقع منهم ما قد يحدث، ولكننا اليوم أمام حادث من الداخل همس به كبير المنافقين، ثم سار كالنار في الهشيم يكاد يحرق كل ما حوله.
لقد عاش المجتمع المسلم هذا الأمر بشدته شهراً كاملاً، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يشك في أهله، ولكنه يبحث عن الحقيقة، إنه يريد إظهار الحق لتنجلي هذه الغمة، فكان صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه وكل كان يدلي برأيه ساعيا لرفع هذا الثقل الذي حل برسول الله صلى الله عليه وسلم وبآل بيته.
إننا نعيش مع حادث الإفك والذي يمكن إيجازه في الآتي:
{ إن الذين جاءو بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم } ( النور : 11 ) كلماتٌ ربّانية جاءت لتلخّص أحداثاً عاش المسلمون في ظلّها أياماً عصيبة ، وفتنةً كادت أن تورد الناس موارد الهلكة ، وإشاعاتٍ مغرضة استهدفت بيت النبوة ، وأرادت تشويه صورته النقيّة التي ظلّت محفوظةً في صدور المؤمنين ، ولم يكن المقصود منها الوقوف عند شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – وآل بيته ، بل أُريد بها الطعن في نبوته ورسالته .
وتجري فصول هذه الحادثة في وقتٍ كان المسلمون فيه على موعدٍ مع العدوّ في إحدى الغزوات ، حيث خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جيشه مصطحباً معه عائشة رضي الله عنها ، وفي طريق العودة توقّف الجيش للراحة والنوم ، وجلست عائشة رضي الله عنها في مركبها تترقّب لحظة المسير ، وتلمّست نحرها لتكتشف أنها أضاعت عقداً لأختها كانت قد أعارتْها إياه ، فما كان منها إلا أن نزلت من مركبها لتبحث عنه في ظلام الليل ، ولم تكن تدري أن المنادي قد آذن بالرحيل ، وأن الرجال قد جهّزوا رحلها ظانّين أنها بداخله ، وأن الجيش قد انطلق وتركها وحيدة في تلك الصحراء الموحشة .
وما أن وجدت العقد حتى عادت مسرعة لتلحق بركب الجيش ، ولكن الوقت فات ، حيث لم تجد سوى الآثار التي خلّفوها وراءهم ، فحارت ولم تدر ما تصنع ، ثم فكّرت في العودة إلى موضع مركبها لعلّ الجيش يفتقدها ويرسل من يأتي بها ، وهكذا فعلت ، وجلست هناك حتى غلبها النوم في مكانها .
وفي هذه الأثناء ، كان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه يسير خلف الجيش ليحمل ما سقط من المتاع ، فأدركه الصباح في الموطن الذي كان فيه الجيش ، وإذا به يرى سواد امرأة نائمة ، فعرف أنها عائشة رضي الله عنها ، والتي أحسّت به فغطّت وجهها ، تقول عائشة رضي الله عنها : ” فوالله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه شيئاً غير قوله : إنا لله وإنا إليه راجعون ” ، فنزل عن راحلته وطلب منها أن تصعد ، ولما ركبت الناقة انطلق بها مولّيا ظهره لها ، حتى استطاع أن يدرك الجيش في الظهيرة .
ولم تمضِ سوى أيام قليلةٍ حتى انتشرت في المدينة إشاعاتٌ مغرضة وطعوناتٌ حاقدة في حقّ عائشة رضي الله عنها ، روّجها ونسج خيوطها زعيم المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول ، ووجدت هذه الافتراءات طريقها إلى عدد من المسلمين ، الذين تلقّوها بحسن نيّة ونقلوها إلى غيرهم ، كان منهم حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه شاعر النبي – صلى الله عليه وسلم – ، و مسطح بن أثاثة رضي الله عنه أحد أقرباء أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، و حمنة بنت جحش رضي الله عنها ابنة عمة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخت زوجته ، وعصم الله من بقي من الصحابة عن الخوض في ذلك ، وكان لسان حالهم ومقالهم كما قال القرآن { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أَن نتكلم بهذا سبحانك هذاَ بهتان عظيم} (النور:16).
وبلغت تلك الأحاديث سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – فكان وقعها عليه شديداً ، ولنا أن نتصوّر المشاعر المختلفة التي كانت تدور في نفس النبي – صلى الله عليه وسلم – ، والمعاناة الطويلة التي عاشها في ظلّ هذه الأحداث ، وهو يرى الألسنة تنال من عرضه ، وتطعن في شرفه ، ولا يملك أن يضع لذلك حدّاً أو نهاية .
وعلى الجانب الآخر ، لم تكن عائشة تدرك ما يدور حولها من أقاويل الناس ، فقد حلّ بها مرض ألزمها الفراش طيلة هذه المدّة ، إلا أنها أحسّت بتغيّرٍ في معاملة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فبعد أن كانت تجد منه اللمسة الحانية ، والكلمة الرقيقة ، والمشاعر الفيّاضة ، إذا بها تفقد ذلك كلّه ، وتلحظ اقتصاره – صلى الله عليه وسلم – على الكلمات القليلة ، واكتفاءه بالسؤال عن حالها ، وهي تحاول أن تجد تفسيرا لهذا التحوّل المفاجيء .
وفي ليلة من الليالي خرجت عائشة رضي الله عنها مع أم مسطح إلى الصحراء لقضاء الحاجة – كعادة النساء في ذاك الزمان – ، فتعثّرت أم مسطح بثوبها وقالت : ” تعس مسطح ” ، فاستنكرت عائشة منها هذا القول وقالت : “بئس ما قلت ، أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟ ” ، وعندها أخبرتها أم مسطح بقول أهل الإفك.
وكانت مفاجأةً لم تخطر لها على بال ، وفاجعةً عظيمة تتصدّع لها قلوب الرّجال ، فكيف ببنت السادسة عشرة ؟ ، وهي تسمع الألسن توجّه أصابع الاتهام نحو أغلى ما تملكه امرأة عفيفة ، فكيف بزوجة نبي الله وخليل الله ؟ .
وكان من الطبيعي أن تؤثّر هذه الإشاعة على صحّة عائشة رضي الله عنها فتزداد مرضاً على مرض ، ولم يمنعها ذلك من الوقوف على ملابسات القضيّة ، فبمجرّد أن عادت إلى البيت استأذنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الذهاب لأبويها ، فلما رأتها أمها قالت : ” ما جاء بك يا بنية ” فقصّت عليها الخبر ، وأرادت الأم أن تواسيها فبيّنت لها أن هذا الكلام حسدٌ لها على جمالها ومكانها من النبي – صلى الله عليه وسلم – .
ولم يعد هناك مجال للشك ، فها هي والدتها تؤكّد ذلك ، وعَظُم عليها أن تتخيّل الناس وهم يتحدثون في شأنها ، تقول عائشة رضي الله عنها : “..فبكيت تلك الليلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت “.
وطال انتظار النبي – صلى الله عليه وسلم – للوحي فاستشار علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أما أسامة فأخبره بالذي يعلمه من براءة أهله ، وأما علي فقد أحسّ بالمعاناة النفسيّة التي يعيشها النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فأراد أن يريح خاطره ، فأشار عليه بأحد أمرين : إما أن يفارقها ويتحقّق من براءتها لاحقاً ، وحينها يمكنه إرجاعها ، وإما أن يطّلع على حقيقة الأمر بسؤال بريرة مولاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بريرة وقال لها : ( هل رأيت من شيء يريبك ) ، فقالت : ” لا والذي بعثك بالحق ما علمت فيها عيباً ” ، ثمّ ذكرت صغر سنّها وأنّها قد تغفل عن العجين الذي تصنعه حتى تأتي الشاة تأكله ، وسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زينب بنت جحش رضي الله عنها عن أمرها فقالت : ” يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيراً ” .
وكانت هذه الشهادات كافيةً أن يصعد النبي – صلى الله عليه وسلم – المنبر ، ويطلب العذر من المسلمين ، في رأس الفتنة عبد الله بن أبي بن سلول ، وذلك بقوله : ( يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلاً – يعني صفوان بن المعطّل – ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ) ، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : ” يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربتُ عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ” ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد أخذته العصبيّة فقال لسعد : ” كذبت ، لا تقتله ولا تقدر على قتله ” ، واختلف الأوس والخزرج ، وكاد الشيطان أن يُوقع بينهم ، فلم يزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يهدّئهم حتى سكتوا .
وبعد أن بلغت القضيّة هذا الحدّ ، لم يكن هناك مفرّ من الذهاب إلى عائشة رضي الله عنها لمصارحتها بالمشكلة واستيضاح موقفها ، فدخل عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعها امرأة من الأنصار ، فجلس النبي – صلى الله عليه وسلم – وتشهّد ثم قال : ( أما بعد ، يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه ) ، فلما سمعت قوله جفّت دموعها ، والتفتت إلى أبيها فقالت : ” أجب رسول الله فيما قال ” ، فقال : ” والله ما أدري ما أقول لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” ، ثم التفتت إلى أمّها فكان جوابها كجواب أبيها ، وعندها قالت : ” لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم أني منه بريئة – والله يعلم أني منه بريئة – لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر – والله يعلم أني منه بريئة – لتصدقنّني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف حين قال : { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } ( يوسف : 18 ) .
ثم استلقت رضي الله عنها على فراشها ، وهي تستعرض الحادثة في ذهنها منذ البداية وحتى هذه اللحظة ، وبدا لها أن آخر فصول هذه القصّة ستكون رؤيا يراها النبي – صلى الله عليه وسلم – تُثبت براءتها ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يخلّد ذكرها إلى يوم القيامة ، وإذا بالوحي يتنزل من السماء يحمل البراءة الدائمة ، والحجة الدامغة في تسع آيات بيّنات ، تشهد بطهرها وعفافها ، وتكشف حقيقة المنافقين ، فقال تعالى : {إِن الذين جاءوا بالإفك عصبَة منكم لا تحسبوه شَرا لكم بل هو خير لكم لكل امرِئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } ( النور : 11 ) .
وانفرج الكرب ، وتحوّل حزن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فرحاً ، فقال لها : ( أبشري يا عائشة ، أمّا الله عز وجل فقد برّأك ) ، وقالت لها أمها : ” قومي إليه ” ، فقالت عائشة رضي الله عنها امتناناً بتبرئة الله لها ، وثقةً بمكانتها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومحبته لها : ” والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله عزوجل ” .
وأراد أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يعاقب مسطح بن أثاثة لخوضه في عرض ابنته ، فأقسم أن يقطع عليه النفقة ، وسرعان ما نزل الوحي ليدلّه على ما هو خير من ذلك : { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } ( النور : 22) ، فقال أبو بكر : ” بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي ” ، فرجع إلى نفقته وقال : ” والله لا أنزعها منه أبدا “.
وهذه الحادثة مع شدتها جعل الله فيها دروساً وعبراً مفيدة للأفراد والأمة ولكن قبل بيان الدروس والعبر نعيش مع قوله تعالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النور:11].
فكل ما يصيب المؤمن من عند الله، وكل ما يحل على المؤمنين أفراداً وجماعات من قدر الله هو خير، وقال أبو بكر ابن العربي: حقيقة الخير ما زاد نفعه على ضره وحقيقة الشر ما زاد ضره على نفعه. وأن خيراً لا شر فيه هو الجنة، وشراً لا خير فيه هو جهنم. فنبه الله عائشة ومن ماثلها ممن ناله همّ من هذا الحديث أنه ما أصابهم منه شر بل هو خير على ما وضع الله الشر والخير عليه في هذه الدنيا من المقابلة بين الضر والنفع ورجحان النفع في جانب الخير ورجحان الضر في جانب الشر.
ثم أثبت سبحانه وتعالى أن ما حدث خير لأنه فيه منافع كثيرة؛ فهو يكشف عن الكائدين للإسلام في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وهو يكشف للجماعة المسلمة عن ضرورة تحريم القذف وأخذ القاذفين بالحد الذي فرضه الله، ويبين مدى الأخطار التي تحيق بالجماعة لو أطلقت فيها الألسنة تقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، فهي عندئذ لا تقف عند حد، إنما تمضي صعداً إلى أشرف المقامات، وتتطاول إلى أعلى الهامات، وتعدم الجماعة كل وقاية وكل تحرج وكل حياء، وهو خير أن يكشف الله للجماعة المسلمة بهذه المناسبة عن المنهج القويم في مواجهة
مثل هذا الأمر العظيم.
الدروس المستفادة من حادثة الإفك:
1- خطورة الكلمة في حياة الناس.
2- المؤمن يظن خيراً فيما يسمعه عن أخيه المؤمن.
3- إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم من سماع السوء.
4- التحذير من المنافقين.
5- المؤمن قد يقع في الخطيئة.
6- قد يوجه للدعاة اتهامات ملفقة.
7- إشاعة خلق العفو والصفح في المجتمع المسلم.
8- على المؤمنين أخذ الحذر لأنفسهم دون وسوسة.
9- نظرة الإسلام إلى حماية الأعراض.
10- أهمية محاربة الفاحشة.
11- مجتمع عفيف شريف.
1- خطورة الكلمة في حياة الناس:
فالإنسان يدخل الإسلام بكلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وكلمة الكفر والإصرار عليها تخرجه من ملة الإسلام، والإنسان يعبر عما في نفسه بالكلام، ومن أظهر بالكلام خلاف ما يخفي فهو المنافق، ومن تحدث بغير الحقيقة فهو الكاذب، والإنسان محاسب على ما يتكلم به، قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]. وقذف المحصنات ما حقيقته إلا كلمة، إذا لم يأت على إثبات مقالته بالشهود اللازمة أقيم عليه الحد، ولا تقبل شهادته، وعد من الفاسقين إلا من تاب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:4-5].
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سوء الكلام وجعل حقيقة الإسلام في قلب صاحبه حين يسلم المسلمون من لسانه ويده وقدم اللسان لخطورته، وسهولته على المتجرأ به، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
وورد هذا المعني في أحاديث عن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل من نفسه ضامنا الجنة لمن أقام أمور منها إمساك اللسان، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ». واللسان بين اللحيين.
وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه بيان لخطورة الكلمة حين قَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ». فَقُلْتُ لَهُ بَلَى يَا نبي اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ – أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه رَفَعَهُ قَالَ «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ الله فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا».
عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَكْثَرُ خَطَايَا ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ».
بل إن الناس قد تستهين بالكلام فتتكلم بكلمة بسببها يهوي في النار فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
وعند الترمذي «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِى بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ».
2- المؤمن يظن خيراً فيما يسمعه عن أخيه المؤمن:
قال تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) [النور:12]
في قوله تعالى: (ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) أي قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فيجب عليهم أن يكونوا كذلك، سواء أم المؤمنين التي نزلت بشأنها الآيات أو عموم المسلمين، ويروى أن حديثا دار بين أبي أيوب الأنصاري وامرأته حين دخل عليها، فقالت: يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب، فقالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة خير منك
«ويلاحظ هنا أنه لم يقل:لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا؟ وقلتم: ولِمَ عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر؟
فالجواب للمبالغة في التوبيخ بطريقة الالتفات، وللتصريح بلفظ الإيمان؛ ليدل على أن الاشتراك فيه ينفي أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول غائب أو طاعن، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة سوء في أخيه المؤمن، أو أخته المؤمنة أن يظن فيها خيرا ولا يشك فيهما».
«وهذا من الأدب الإسلامي الرفيع الذي قل القائم به، بل وقل من يسمع مقالة السوء عن أخيه أو أخته فيسكت ولا يشيع ما سمعه».
3- إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم من سماع السوء:
لقد بينت الآيات ما يجب على المؤمنين عمله عند سماع السوء:
أ- ما بيناه فيما سبق بحسن الظن فيما يسمعه عن إخوانه المؤمنين الدعاة، وهذه هي الخطوة الأولى في المنهج الذي يفرضه القرآن لمواجهة الأمور.. خطوة الدليل الباطني الوجداني.
ب- أن لا يكتفي بالظن الحسن في القلب بالنسبة لما يسمعه، بل يسارع إلى الإنكار اللساني (وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ).
جـ – الخطوة التالية طلب الدليل الخارجي والبرهان الواقعي، قال تعالى: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ الله هُمُ الكَاذِبُونَ) [النور:13].
د- من الأدب الأخلاقي أن المرء لا يقول بلسانه إلا الذي يعلمه ويتحققه، وإلا فهو أحد رجلين: أفن الرأي، يقول الشيء قبل أن يتبين له الأمر فيوشك أن يقول الكذب، فيحسبه الناس كذاباً، وفي الحديث: حسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما يسمع، وإما رجل مموه مراء يقول ما يعتقد خلافه قال تعالىوَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ) وقال: (كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ).
هـ – ولا يكفي الظن الحسن والتصريح بنفي وإنكار مقالة السوء، بل على الداعي أن لا يسمح بتسرب شيء إلى نفسه مما يخالف الظن الحسن، وإذا حصل شيء من ذلك في نفسه فلا يجوز أن يتكلم بهذا، بل يردد بلسانه حتى يسمع نفسه وغيره قوله تعالىوَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور:16]
و- أن يبعد الداعي عن نفسه أي ميل أو محبة أو رغبة في إشاعة الفاحشة، ونهش الأعراض، واتهام الغافلين المؤمنين، ويعرف من نفسه حصول شيء مما ذكرنا فيها، إذا شعر بلذة في سماع أقوال السوء، أو رغبة في ترديدها، أو في قوله سمعت كذا وكذا من مقالة السوء وليتذكر قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور:19]
4- التحذير من المنافقين:
فالمنافقون لا يريدون للمجتمع المسلم هدوء أو سكينة، ولا يحملون له خيراً، وينتهزون كل فرصة للإيقاع بين المسلمين، وبث روح الخلاف والشك بينهم، وإثارة العداوة والبغضاء، وتوجيه الاتهامات ولو تحت عنوان الدفاع عن الإسلام والمسلمين، والحديث عنهم مثبوت في أوائل سورة البقرة، وفي سورة التوبة وفي سورة المنافقون، وغيرها من الآيات.
5- المؤمن قد يقع في الخطيئة
فهاجم بعض الأصحاب انساقوا وراء إشاعات المنافقين فوقعوا في خطيئة نقل الكلام، دون إدراك أو تأكد، ولذلك فالمؤمن لا بد وأن يكون على حذر دائم وليعلم أن شدة الثقة بالنفس تؤدي إلى الوقوع في الخطأ دون قصد، وهذا يلتزم من المؤمن دوام مراجعته، والتزويد من الصلة بالله، فهذا الطريق علاج القلب والنفوس.
6- قد يوجه للدعاة اتهامات ملفقة:
فإن الأعداء يسعون كل يوم إلى تشويه صورة الدعاة، فيلفقون لهم التهم، ويزينون هذه الاتهامات بغلاف من معسول الكلام، فهم لا يقولون هؤلاء قوم يدعون إلى الله ونحن نخالفهم أو نحاربهم أو نؤذيهم، لأنهم يدعون إلى الله ويطالبوننا بتطبيق الشريعة الإسلامية، بل يوجهون تهم معسولة القول، مثل أنهم يهددون السلم الاجتماعي، أو أنهم يطلبون الحكم لأنفسهم، أو أن هناك انشقاقات في صفوفهم، أو يسمعون كلمة من داعية في خطبة أو فتوى فيخرجوها من سياقها، ويعلقون عليها، أو أن هؤلاء الدعاة يقفون أمام الإبداع، ويحاربون الفن، ويقيدون حرية الصحافة… الخ.
وعلى رجال الصحافة أن يكونوا في يقظة من مثل ذلك ولا ينساقون وراء هذه الاتهامات الباطلة.
7- إشاعة خلق العفو والصفح في المجتمع المسلم:
وهذا الخلق الرفيع دعت إليه الآيات القرآنية بعد الانتهاء من إبراء حديث الإفك، حيث كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينفق على مسطح بن أثاثة، فهو ابن خالة الصديق، وكان من فقراء المهاجرين، وكان من الخائضين في حديث الإفك، فأقسم الصديق أن لا ينفق عليه، وتاب مسطح ولكن الصديق بقي في نفسه شيء، فأنزل الله تعالى قوله: (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ) [النور:22]
فلما تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النور:22]، قال الصديق:بلى أحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى الإنفاق على مسطح، هذا سرعان ما يتطهر القلب المؤمن حتى ممن خاض في أخص خصوصيات الإنسان، وآذاه في أعز ما عنده، والعفو خلق رفيع يجب العمل على إشاعته في المجتمع المسلم، فيؤدي إلى سلامة الصدر.
8- على المؤمنين أخذ الحذر لأنفسهم دون وسوسة:
فلا يضع المسلم نفسه أو المسلمة كذلك لا تضع نفسها موضع ريبة من خلوة محرمة، أو حديث مبتذل، أو ضحكة فيها ضلال، بل على الجميع الالتزام بشرع الله وبدين الله، ولكن لا بد أن يتم ذلك دون وسوسة تقوم على الشك في الغير، أو تتهم النوايا مما يجعل الحياة عسرة.
9- نظرة الإسلام إلى حماية الأعراض:
إن الإسلام يهتم جداً بأمر الأعراض، وجعل من الضرورات حفظ النسل، وهذا من المقاصد الخمس ومنهم من زاد سادس، وهو حفظ العرض، أما الأخرون فقد اعتبروا حفظ العرض داخل حفظ النسل، وجعل الإسلام عقوبتين من الحدود لحماية الأعراض، حد الزنا الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن، وكذلك حد القذف، المبين فيما سبق، كما أن هناك تشريعات كثيرة لحماية الأعراض، عرضنا سريعا لبعضها عند الحديث عن قصة لوط عليه السلام.
10- أهمية محاربة الفاحشة:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور:19]
لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل، أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة من المؤمنين؛ فالجملة استئناف ابتدائي، واسم الموصول، يعم كل من يتصف بمضمون الصلة فيعم المؤمنين والمنافقين والمشركين، فهو تحذير للمؤمنين وإخبار عن المنافقين والمشركين.
وجعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيها على أن محبة ذلك تستحق العقوبة لأن محبة ذلك دلالة على خبث النية، نحو المؤمنين ومن شأن تلك الطريقة لا يلبث صاحبها إلا يسيراً حتى يصدر عنه ما هو محب له أو يسر بصدور ذلك من غيره، فالمحبة هنا كناية عن التهيؤ لإبراز ما يجب وقوعه، وجيء بصيغة الفعل المضارع للدلالة على الاستمرار. وأصل الكناية أن نجمع بين المعنى الصريح ولازمه فلا جرم أن ينشا من تلك المحبة عذاب الدنيا وهو حد القذف، وعذاب الآخرة وهو أظهر لأنه مما تستحقه النوايا الخبيثة، وتلك المحبة شيء غير الهم بالسيئة وغير حديث النفس لأنهما خاطران يمكن أن ينكف عنهما صاحبهما، وأما المحبة المستمرة، فهي رغبة في حصول المحبوب.
ومعنى أن تشيع الفاحشة أن يشيع خبرها، «ومن أدب هذه الآية أن المؤمن أن لا يحب لإخوانه إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك يجب أن لا يحب إشاعة السوء على إخوانه المؤمنين، ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق والكذب مفسدة أخلاقية؛ فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها، وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها، وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بل الإقدام عليها رويداً رويداً، حتى تنسى وتنمحي صورها في النفوس. فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر ووقع حذرها على الأسماع فدب ذلك إلى النفوس على اختراقها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة، وهذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من إلحاق الأذى والضر بالناس، ولهذا نجد التعقيب القرآني على ذلك (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [النور: 19]».
نسأل الله أن يردنا إلى أخلاق الإسلام العظيمة.