عبقرية تمرد تسقط كل الخرافات
محمد سلماوي : المصري اليوم
كتبت صحيفة «إل تمبو» الإيطالية أن المصريين يعطون مرة أخرى درساً للعالم فى تحضرهم ورقى أدائهم عن طريق حملة «تمرد»، التى تعبر عن عدم رضاهم عن النظام الحالى الذى قفز على الحكم، بعد سقوط الرئيس مبارك.
لقد بدأ العالم يلتفت أخيراً إلى الموقف الحقيقى للشعب المصرى من حكم الإخوان، بعد أن كان قد صدق أن الإخوان هم الذين يتمتعون بأكبر شعبية فى مصر، باعتبارهم أكبر القيادات السياسية وأكثرها تنظيماً، وقد كان هذا التصور وراء قبول العالم نتائج الانتخابات، رغم أنهم رفضوا مثيلتها فى كل من الجزائر وغزة، حين فازت فيها اتجاهات الإسلام السياسى.
وقد تمسك الإخوان أيضاً بنتائج تلك الانتخابات، حين بدأت القوى الوطنية تكتشف سوء إدارة حكمهم، وافتقارهم الخبرة السياسية، وهكذا بدا الإخوان وكأنهم الجانب الذى يلتزم بالديمقراطية ونتائجها، وأن كل من يعارض حكمهم إنما يعارض الديمقراطية.
أما لجوء جموع الشعب إلى توقيع استمارة «تمرد» فهو يقلب الصورة تماماً باعتباره إجراء سلمياً لا يقل فى دلالاته عن الانتخابات التى يتشبث الإخوان بأهدابها، بل قد يتفوق عليها فى صدق نتائجه، لأنه لا مكان فيه للإغراءات الانتخابية أو للرشاوى العينية التى اشتهر بها الإخوان.
فمثلما نزلت جموع الشعب إلى الشوارع والميادين فى 25 يناير 2011، ونجحت بقوة حضور مليونياتها فى إسقاط رأس النظام السابق، فإن الموقعين على استمارة تمرد يمارسون الحق نفسه، فحملة «تمرد» هى مليونيات جديدة تعبر عن نفسها هذه المرة، ليس بالمظاهرات التى قد تنفض دون أن تحقق أغراضها، وإنما بالاستفتاء الشعبى الذى من شأنه أن يغير الواقع بنتائجه التى لا يستطيع أن يشكك فيها أحد.
من هنا كان خوف الإخوان من هذه الحملة التى لا يفعل أصحابها إلا التوقيع بأسمائهم على قطعة ورق، فإن مغزاها بدأ ينكشف للقاصى قبل الدانى، ولم يعد من الممكن، حتى قبل أن تكتمل كل التوقيعات، الحديث عن أن حكم الإخوان يتمتع بشعبية فى مصر، وأن على الرئيس المنتخب أن يكمل مدته تحت كل الظروف، وأنه لا يمكن أن يرحل إلا بالانتخابات المقبلة، والباقى عليها ثلاث سنوات.
لقد أسقطت حملة «تمرد» كل تلك الخرافات دون أن تلجأ للعنف الشعبى الذى عادة ما يصاحب الحركات الاحتجاجية، ودون أن تبرح ملعب الديمقراطية الذى يعتمد، أول ما يعتمد، على تعبير الجماهير عن رأيها وحريتها فى اختيار حكامها، وتلك هى عبقريتها، والتى يضاف إليها أن الحملة ليس وراءها حزب سياسى، أو اتجاه محدد، أو قيادة فردية، وإنما هى تعبير جماعى عن عبقرية هذا الشعب العريق الذى لا يكف عن إعطاء العالم الدروس ـ كما قالت الصحيفة الإيطالية ـ فى تحضره ورقى أدائه.