قصص عجيبة حول رؤية الأموات في الحلم
قصص عجيبة حول رؤية الأموات في الحلم
يقال بأن النوم هو شكل من أشكال الموت المؤقت، وبأن الروح تغادر الجسد خلال النوم لتعود مرة ثانية عند الاستيقاظ، وهذا قد يفسر لنا سبب رؤية الموتى في الأحلام، فأرواح الأحياء النائمين بإمكانها أن تتواصل بسهولة مع أرواح الموتى أثناء تواجدها خارج الجسد، وهذا التواصل الروحي قد يتذكره النائم عند استيقاظه كمجرد حلم وقد لا يعيره اهتماما كبيرا. وبالطبع لا يوجد أي دليل مادي أو علمي ملموس يثبت حدوث هذا التواصل الروحي، لكننا سنحاول من خلال هذا المقال أن نسلط الضوء على بعض خفايا عالم الأحلام المدهش، سنقص عليك عزيزي القارئ قصصا عجيبة ستجعلك تفكر مليا حول حقيقة كل ما شاهدته في أحلامك وكوابيسك.
#رؤية_الأموات #الأحلام
الكثير من الناس لا يصدقون بقصص الأشباح، لا يؤمنون مطلقا بقدرة الأموات على الاتصال بالأحياء، وربما معهم حق في ذلك، فأن بقاء الروح بعد الموت سائبة تفعل ما يحلو لها وتذهب أينما تشاء هي فكرة لا تخلو من غرابة وطرافة في نفس الآن، فلو صدق الأمر وكانت حياة العالم الآخر هكذا حقا، أي عبارة عن نزهة وسياحة لا تنتهي!!، فأن الموت لن يكون بهذه الصورة القاتمة التي قد يتخيلها المرء.
على العموم، أيا ما كانت طبيعة الحياة في العالم الآخر، فأن أغلب الناس، حتى أولئك الذين يجحدون بوجود الأشباح، تراهم يوافقون نوعا ما على وجود خيط رفيع خفي موصول بين عالمي الأحياء والأموات، صحيح أن الموتى لا يرجعون، ولا نعلم ماذا جري لهم بعد رحيلهم، بيد أن حسا غامضا يطغى على نفوسنا أحيانا فيجعلنا نشعر بأنهم مازالوا معنا بشكل ما، ولهذا السبب تجد الناس على اختلاف ثقافاتهم وأديانهم يبدون احتراما كبيرا لذكرى موتاهم إلى درجة الإيمان بأن بعض الأفعال والتصرفات في هذا العالم سيكون لها تأثير مباشر على حياة الأرواح في العالم الآخر، فعلى سبيل المثال، يعتقد الكثيرون بأن الصلاة والدعاء للميت وزيارة قبره من حين لآخر ستمنح روحه شيئا من السكينة والسلام. وهناك شعوب تؤمن بأن أرواح الموتى تعود لزيارة ذويها في مناسبات معينة خلال السنة، كعيد الهالووين (Halloween ) و يوم الموتى (Day of the Dead ).
حول رؤية الميت في الحلم
لعل أقدم أشكال التواصل الروحي بين الأموات والأحياء هي رؤية الميت في الحلم، فمعظم الناس مروا بتجربة من هذا النوع خلال أحلامهم، وهذه التجربة قد تبدو أحيانا من دون معنى وغير مترابطة، فتمر مرور الكرام، وفي أحيان أخرى تكون من الواقعية إلى درجة التسبب بالصدمة والذهول لصاحب الحلم فتراه حائرا مرتبكا لا يدري كيف يفسر ما رآه، أهي مجرد أضغاث أحلام أم رسالة حقيقية مصدرها العالم الآخر ؟.
وبسبب انتشار الظاهرة كما أسلفنا، تراكمت عبر العصور الكثير من القصص والحكايات التي تتحدث عن هذا النوع من الأحلام والتي لا تخلو معظمها من حكمة وموعظة وتذكرة، فمثلا وكعينة على هذا النوع من القصص، يقال بأن أحد الأبناء دأب على رؤية أباه الميت في أحلامه، وكان الأب يبدو دائم الاضطراب خلال تلك الأحلام، فكان الابن يسأله عن حاله ويستفسر منه عن سر اضطرابه، فيجيبه الأب قائلا بأنه في أحسن حال، يسكن رياضا خضراء رائعة الجمال، فيها كل ما يرجوه المرء ويتمناه، لكنه كان يسكت فجأة لتعلو وجهه غمامة من الحزن كأنه تذكر شيئا أزعجه وكدر مزاجه، ثم يمضي بعدها في حديثه قائلا بصوت متهدج كسير بأن هناك أمرا واحدا ينغص عليه ما هو فيه من رغد العيش، وهو أن فلان البقال لا يفتأ يزوره في كل حين ليؤذيه وينغص عليه سعادته وبهجته.
وكان الأب حريصا خلال تلك الأحلام على رجاء أبنه والإلحاح عليه كثيرا في أن يكفيه شر ذلك البقال، ثم كان يقوم بعدها وينصرف لحاله.
هذا الحلم الغريب تكرر بنفس الصورة لأكثر من مرة، فصار الابن في حيرة عظيمة من أمره، لأن فلان البقال الذي ذكره أبوه في الحلم مازال حيا يرزق، فكيف يكون باستطاعته أن يؤذي روحا في عالم الأموات؟!. وفي النهاية دفعته هواجسه وحيرته إلى زيارة دكان ذلك البقال لعله يميط اللثام عن سر شكوى أباه المستمرة منه، غير أنه لم يجد في نفسه الجرأة الكافية ليخبر البقال بالغرض الحقيقي من زيارته خشية أن يسخر منه، لذلك اكتفى بدخول الدكان كزبون عادي وراح يقلب البضاعة على مهل. وفي هذه الأثناء أقترب البقال منه وراح يراقبه ويتفحصه بإمعان، ثم بادره متسائلا عن كونه أبن فلان رحمة الله عليه، فرد الابن بالإيجاب، فتقدم إليه البقال بواجب التعزية والمواساة، ثم أطرق لبرهة قصيرة وقد تغير لونه وبان على محياه الوجوم، وأخيرا نظر إلى الابن باستحياء وأخبره بعد تردد واضح بأن هناك مبلغا صغيرا من المال كان والده المرحوم مدينا به للمحل، ومضى قائلا بأن خجله وحياءه منعاه من المطالبة بذلك الدين لتفاهة المغرم ولوفاة المدين، ثم أطرق ساكتا ينتظر جواب الابن الذي سارع إلى مد يده إلى محفظته دافعا دين أبيه بكل رحابة صدر ثم غادر الدكان وهو في غاية الانبساط والسرور لأنه أكتشف أخيرا سر شكوى والده المتكررة وقام بحل المشكلة، وبالفعل لم يزره والده في الحلم بعد ذلك مطلقا!.
هل هذه القصة حقيقية ؟ .. لا أعلم .. فقد سمعتها من بعض الأصدقاء خلال إحدى الأمسيات، ومثل هذه القصص كثيرة، يتداولها الناس في منتدياتهم ومجالسهم، ولا تخلوا منها بطون الكتب التراثية. فمثلا يورد لنا الطبري وغيره من المؤرخين العرب قصة الحجاج بن يوسف الثقفي والتابعي سعيد بن جبير، فبعد أن أمر الحجاج بإعدام سعيد وضربت عنقه، صار الحجاج يراه في المنام وهو يأخذ بمجامع ثوبه ويصرخ فيه قائلا : “فيم قتلتني ؟”. فينتفض الحجاج من نومه وهو يبكي ويصرخ قائلا : “مالي وسعيد بن جبير”، ثم لم يلبث أن مرض ومات.
ومما قرأته أيضا في هذا المجال، قصة أوردها أبن الجوزي في كتابه المنتظم حيث كتب يقول :
“حدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن نافع قال: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغني وفاته فتضاعف علي اُلحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا أنا به، فقلت: أبو نواس؟ قال: لات حين كنيته. قلت: الحسن بن هانئ؟
قال: نعم. قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها هي تحت ثني وسادتي. فأتيت أهله، فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء.
فقلت لهم: هل قال أخي شعراً قبل موته؟ قالوا: لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئاً لا ندري ما هو. قلت: إيذنوا لي أدخل قال: فدخلت إلى مرقده، فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئاً، ثم رفعت أخرى فإذا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة **** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن **** فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً **** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ماليِ إليك وسيلة إلا الرجا **** وجميل عفوك، ثم إني مسلم”
وأبو نواس طبعا غني عن التعريف، فهو من أشهر شعراء الغزل الماجن في العصر العباسي الذهبي.
تفسيرات وتأويلات
في كتب تفسير الأحلام يكون لظهور الميت في الحلم وطبيعة حديثه وتصرفه تفسيرات وتأويلات مختلفة، فأبن سيرين يذكر في كتاب تفسير الأحلام مقالة طويلة ومفصلة حول معاني رؤية الموت والأموات والمقابر في الحلم .. نقتبس منها الأسطر القليلة التالية كعينة، حيث كتب يقول :
“فإن رأى ميتا طلق الوجه لم يكلمه ولم يمسه فإنه راض عنه لوصول بره إليه بعد موته فإن رآه معرضا عنه أو منازعا له وكأنه يضربه دل على أنه ارتكب معصية وقيل أن من رأى ميتا ضربه فإنه يقتضيه دينا فإن رأى الميت غنيا فوق غناه في حياته فهو صلاح حاله في الآخرة وان رآه فقيرا فهو فقره إلى الحسنات وان رأى كأن الميت عريان فهو خروجه من الدنيا عاريا من الخيرات … “.
أما من الناحية الدينية فالآراء متضاربة، حيث ذهبت طائفة من علماء الدين، من أتباع الديانات المختلفة، إلى الاعتقاد بإمكانية زيارة الميت للحي في المنام، خصوصا عندما تكون لدى الميت حاجة ضرورية لم يستطع انجازها وإنهاءها في حياته.
فيما ترى طائفة أخرى بأن رؤية الميت في الحلم لا تدل بالضرورة على تجلي روحه فعلا، فالشياطين بإمكانها أن تتحايل فتتخذ هيئة الأموات لتغزو أحلام الأحياء، وهذه الشياطين قد تتشكل بأي صورة تشاء، فربما ظهرت في صورة الأقارب كالأب والأم والزوجة .. الخ ، وربما تصورت أيضا في هيئة العلماء والصالحين والقديسين.
أما عامة الناس فتراهم لا يأبهون كثيرا لهذه الآراء، فالمعتقدات الشعبية المتراكمة عبر العصور تؤيد إمكانية ظهور الأنبياء والصالحين والموتى من الأقارب والأصدقاء في الأحلام ، وقد تنسب لهذه الرؤى والتجليات كرامات عظيمة تكاد تصل إلى مصاف المعجزات، كالشفاء من الأمراض المستعصية والنجاة من الملمات وفك الضيق وتلبية الحاجيات.
قضية شبح جرينبراير (Greenbrier Ghost )
لم تكن زونا هيستر شو (Zona Heaster Shue ) تشكو خطبا في صحتها، كانت شابة في مقتبل من العمر لا تعاني من أي مرض أو ضعف، لذا أصبح خبر موتها المفاجئ مثار استغراب أغلب سكان بلدة جرينبراير الريفية الأمريكية، ففي يوم 23 كانون الثاني / يناير عام 1897 عثر على جثتها صبي صغير كان زوجها قد أرسله إلى المنزل في حاجة له، زونا أو السيدة شو كانت ممددة من دون حراك بالقرب من سلم المنزل المؤدي إلى الطابق العلوي، ظنها الصبي فاقدة الوعي فأطلق ساقيه للريح مهرولا نحو منزله ليخبر أمه التي سارعت بدورها في أخبار طبيب البلدة السيد ناب لكي يتبين الأمر.
وصول الطبيب ناب إلى منزل السيدة شو أستغرق قرابة الساعة، وفي هذه الأثناء كان زوجها السيد شو، أو ادوارد كما يسمونه في البلدة، قد قام بحمل جثتها إلى الطابق العلوي فمددها على سرير حجرة النوم ثم قام بتغيير ثيابها فألبسها فستانا أنيقا ذو ياقة طويلة تغطي العنق كله وصولا إلى أسفل الذقن، وقد بدا عمله هذا خارجا عن المألوف، إذ جرت العادة والعرف في ذلك الزمان على أن تترك مهمة تغسيل جثث النساء وتغيير ثيابهن للنساء البالغات من الأقارب والجيران.
الطبيب ناب عاين جثة السيدة شو بوجود زوجها الذي ظل جالسا عند رأسها يبكي بحرقة. وقد تعجل الطبيب في فحص الجثة مراعاة لمشاعر الزوج الذي أبدى حزنا وجزعا كبيرا، كما أن الجثة بدت سليمة وخالية من أي جروح، باستثناء بعض البقع الداكنة التي لمحها الطبيب بصورة خاطفة على الجلد أسفل الذقن لكنه لم يستطع تبين ماهيتها، لأن محاولته أبعاد ياقة الفستان الطويلة لتفحص عنق الجثة أثارت غضب واستياء ادوارد إلى درجة أرعبت الطبيب ناب ودفعته إلى إنهاء عمله ومغادرة المنزل على عجل.
أخبار موت زونا وصلت سريعا إلى مسامع والديها اللذان كانا يقطنان منزلا كبيرا في مزرعة تبعد عدة أميال خارج البلدة، والدتها السيدة ماري جين هيستر، علقت على خبر موتها قائلة : “لقد قام الشيطان بقتلها”، تقصد بذلك زوج أبنتها ادوارد، فالعلاقة بين الزوج وحماته لم تكن على ما يرام منذ اللحظة التي أخبرت فيها زونا والدتها بأنها ستتزوج من هذا الشاب الغريب القادم إلى البلدة مؤخرا والذي أعتاد الناس تسميته ادوارد. لم يكن احد في البلدة يعلم شيئا عن حياته السابقة، لكنه كان شابا لبقا ودمث الأخلاق وطد علاقته مع السكان بسرعة بعد أن وجد لنفسه عملا في محل الحدادة الوحيد في البلدة، وقد تعرفت زونا عليه خلال إحدى المناسبات فأعجبت به أيما أعجاب، وسرعان ما تزوج الاثنان خلال أسابيع قليلة فقط، وهو أمر لم يثر استغراب أحد، فزونا كانت تواقة للزواج من أي رجل، إذ كانت أما عزباء، أنجبت طفلة من علاقة غير شرعية، وهو أمر لم يكن مقبولا ولا مستساغا في ذلك الزمان، وكان سببا في غضب وحنق والدتها منها، فالسيدة هيستر كانت دائمة التشكيك في سلامة قرارات أبنتها، خصوصا قرارها الأخير بالزواج من رجل لا يعرفون عنه أي شيء.
جثة السيدة شو دفنت في مقبرة البلدة، وخلال جنازتها أبدى زوجها تصرفات غريبة عدها البعض في غاية الرعونة، فيما بررها آخرون بحبه المفرط لزوجته الراحلة، فقد أصر على دفن زوجته بالثوب ذو الياقة الطويلة بدعوى كونه ثوبها المفضل، كما قام بتغطية وجهها ورقبتها بخمار أسود طويل ووضع وسادة تحت رأسها معللا تصرفه هذا بالحرص على راحة زوجته الميتة !. وكذلك أظهر حرصا بالغا على ملازمة الكفن خلال الجنازة مانعا أي شخص من الاقتراب من الجثة ومحاولة لمسها.
بعد انتهاء الجنازة بأيام قليلة، أخرجت السيدة هيستر الملاءة التي كانت مفروشة تحت جثة أبنتها في التابوت وأرسلتها إلى ادوارد، لكنه لم يرغب فيها وأعادها إليها، ففكرت السيدة هيستر بالتبرع بها للفقراء، ولهذا الغرض ارتأت غسلها أولا، وقد حدث شيء غريب خلال الغسل، إذ تحول ماء الحوض إلى اللون الأحمر القاني بلون الدم لبرهة قصيرة قبل أن ينكشف ويعود إلى لونه الأصلي، وقد عدت السيدة هيستر هذا الأمر أشارة من العالم الآخر ودليلا قاطعا على أن ابنتها لم تمت بصورة طبيعية وإنما ماتت مقتولة.
لمدة أربعة أسابيع، ظلت السيدة هيستر تبتهل إلى الله في كل ليلة لكي يعيد أبنتها أليها للحظات قليلة فقط علها تخبرها عن حقيقة موتها، وفي الليلة التي تلت تلك الأسابيع الأربعة مباشرة، أوت السيدة هيستر إلى حجرة نومها باكرا، أغمضت عينيها واستغرقت في النوم والأحلام سريعا، وخلال الحلم شاهدت نورا باهرا يضيء سقف الحجرة، ثم أنجلى ذلك النور ورأت السيدة هيستر أبنتها زونا تقف عند حافة السرير. حاولت السيدة هيستر أن تنهض لتحتضن أبنتها، لكنها فقدت قدرتها تماما على الحركة والكلام، ظلت مسمرة في سريرها تبكي بحرقة وهي تنظر إلى أبنتها الحبيبة. زونا اقتربت من أمها وجلست عند رأسها في السرير، قبلتها على جبينها ثم مدت يدها الشاحبة لتكفكف دموعها بكل رقة وحنان، ثم راحت تحدثها عن مأساتها، أخبرتها بأن شخصية زوجها ادوارد تبدلت جذريا بعد زواجهما بأسابيع قليلة، اختفى ذلك الشاب المرح المؤدب بالتدريج وحل محله رجل قاس عديم الرحمة أخذ يضربها ويؤذيها لأتفه الأسباب، وفي ليلة مقتلها عاد ادوارد إلى البيت باكرا فقدمت له العشاء، وما أن تناول لقمة أو لقمتين حتى أنفجر غاضبا كالمجنون متهما إياها بأنها لم تضع له لحما كافيا في طبقه، هاجمها كالثور الهائج فأطبق يديه القويتين على رقبتها النحيلة وأعتصرها بكل قوته حتى سحقها تماما، وبعد أن تركها جثة هامدة عاد إلى المائدة مرة أخرى ليكمل عشاءه كأن شيئا لم يكن!.
ولكي تثبت زونا لأمها بأن عنقها مكسورة فعلا، أدارت رأسها دورة كاملة حتى أصبح قفاها محل وجهها، ثم ظهر ذلك النور الباهر مجددا في السقف فأجبر وهجه السيدة هيستر على إغلاق عينها، وحين اختفى النور كانت زونا قد اختفت أيضا.
لمدة أربعة ليالي شاهدت السيدة هيستر ذات الحلم، فأصبحت موقنة من موت أبنتها مقتولة، وعزمت على أن لا تدع القاتل يفلت من العقاب، توجهت إلى مكتب العمدة وأخبرته بحلمها، توسلته أن يقوم بفتح قضية أبنتها مجددا، وبغض النظر عن تصديق العمدة لقصة الحلم من عدمه، فقد وافق الرجل في النهاية على ذلك، خاصة وأن اغلب سكان البلدة كانت تروادهم شكوك قوية حول كيفية موت السيدة شو، كما أن الطبيب ناب أعترف للعمدة بأنه لم يجري فحصا كاملا للجثة، وهو الأمر الذي عده العمدة تقصيرا ونقصا فاضحا في سلامة الإجراءات القانونية المرتبطة بحالات الوفاة المشكوك فيها والتي تتطلب القيام بتشريح كامل. لذا تم تشكيل لجنة برئاسة الطبيب ناب لكي تستخرج جثة زونا من القبر ويتم فحصها وتشريحها مجددا بصورة كاملة.
في 22 شباط / فبراير استخرجت جثة السيدة شو من القبر ونقلت إلى مدرسة قريبة لغرض الفحص والتشريح، ولحسن الحظ ساهمت برودة الشتاء القارصة في الحفاظ على الجثة سليمة لم تمس.
التشريح لم يستغرق وقتا طويلا، إذ تكشفت أبعاد الجريمة المروعة بمجرد أن جردوا الجثة من ثيابها، فقد ظهرت بصمات الزوج مطبوعة بكل وضوح على الرقبة، وتبين بالتشريح بأن الحنجرة كانت مسحوقة تماما كما تعرضت الفقرات العنقية للكسر. وحال الانتهاء من التشريح القي القبض على السيد شو بتهمة قتل زوجته.
تحقيقات الشرطة في ماضي السيد شو قادت للكشف عن بعض الأسرار الخطيرة التي حرص الرجل على إخفاءها، فزواجه مع زونا، والذي لم يدم سوى لثلاثة أشهر، لم يكن الأول في حياته، إذ سبق له الزواج مرتين قبل ذلك، زواجه الأول انتهى بالطلاق، وقد اتهمته زوجته الأولى بالقسوة المفرطة في تعامله معها، أما الزوجة الثانية فقد ماتت في ظروف غامضة بعد أقل من سنة على الزواج.
العجيب أن السيد شو كان في غاية الانشراح خلال فترة احتجازه، كان يقول لرفاقه في الزنزانة بأن الشرطة لن تستطيع أثبات التهمة عليه أبدا، كما كان يحدثهم عن طموحه بالزواج من سبعة نساء خلال حياته، قائلا بأنه ما يزال شابا صغيرا وبإمكانه تحقيق حلمه بسهولة.
في 22 حزيران / يونيو عام 1897 وقف السيد شو، وأسمه الحقيقي ايراسموس تروت شو، المشهور بادوارد، أمام المحكمة بتهمة قتل زوجته، وكانت حماته السيدة ماري جان هيستر هي الشاهدة الرئيسية في قضيته، وقد حاول محامي الدفاع استغلال قصة الحلم والشبح لإثبات عدم أهلية الشاهدة ولنقض القضية برمتها لأنها بنيت على حيثيات وأسس وهمية لا يمكن أثباتها، لكن السيدة شو لم تتراجع عن قصتها قيد أنملة، أصرت على أن ما شاهدته في الحلم هو حقيقة تدعمها الأدلة والبراهين ونتائج التشريح، ولم تلبث هذه الأم الثكلى أن كسبت تعاطف جميع الحضور، فانتهى قرار هيئة المحلفين إلى إعلان السيد شو مذنبا بتهمة القتل وحكم عليه القاضي بالسجن المؤبد. لكن هذه العقوبة لم تنل رضا سكان البلدة الناقمين، فحاول بعضهم تطبيق العدالة بنفسه، وتوجه جمع منهم نحو سجن البلدة وهم عازمون على أخراج السيد شو من زنزانته وشنقه وسط البلدة، لكن الشريف نجح في تهدئة الحشود الغاضبة وتم نقل السيد شو في اليوم التالي إلى احد السجون الكبيرة في ولاية فرجينيا الغربية حيث قضى هناك ثلاث سنوات قبل أن يموت فجأة جراء أصابته بمرض غامض، وقد تم دفنه في المقبرة اللصيقة لحائط السجن في قبر مجهول الهوية من دون شاهد.
قصة السيدة شو كانت من أعجب وأغرب القضايا في ذلك الزمان، ولتخليد هذه القضية فقد وضعت سلطات ولاية فرجينيا الغربية شاهدا تذكاريا بالقرب من المقبرة التي دفنت فيها السيدة شو كتب عليه الآتي :
“في المقبرة المجاورة دفنت زونا هيستر شو، وفاتها في عام 1897 سجلت على أنها طبيعية حتى ظهرت روحها لوالدتها لتصف لها كيف تعرضت للقتل على يد زوجها ادوارد. وقد أثبت التشريح حقيقة ما قالته. فوجد ادوارد مذنبا وتم الحكم عليه بالسجن. وهذه هي القضية الوحيدة المعروفة التي ساهمت فيها شهادة شبح في أثبات جريمة قتل”.
هل هناك تفسير منطقي لهذه القصة ؟
كعادتنا في قصص من هذا النوع، نحاول أن نجد تفسيرا منطقيا للأحداث بدل الاعتماد كليا على التفسيرات الغيبية والماورائية، وأحداث قصتنا هذه، برغم كونها موثقة في سجلات حكومية رسمية، لم تنجو من التشكيك والانتقاد، فهناك من يرى بأن السيدة ماري هيستر كانت واثقة من أن أبنتها ماتت مقتولة منذ أول لحظة سمعت فيها خبر وفاتها، أي قبل قصة الحلم والشبح بقرابة الشهر، وجاءت قضية غسل الملاءة وتغير لون الماء لتجعلها أكثر يقينا حول النهاية المأساوية لأبنتها، وقضية الملاءة قابلة للتفسير، فادوارد كان حدادا، لذا لا عجب أن تكون الملاءة التي تغطي سرير نومه مشبعة بأكسيد الحديد، وهذا يفسر تغيير لون الماء وتكدره عند غسل الملاءة، لكن السيدة هيستر لم تفطن لهذه الحقيقة العلمية بالطبع، ولا يستبعد أن تكون لفقت عن قصد قصة الحلم بالكامل للإيقاع بزوج أبنتها بعد أن أيقنت بأنه القاتل، أو أن يكون الضغط النفسي الذي ولدته الشكوك والهواجس المتعلقة بطريقة موت أبنتها قد تراكم في عقلها الباطن إلى درجة الهذيان والوهم فجعلها تتخيل رؤية أبنتها والحديث معها.
يبقى هناك لغز واحد، فحتى لو افترضنا جدلا بأن السيدة هيستر لفقت قصة الحلم بالكامل، وهو أمر لا أستبعده أنا شخصيا، لكن المحير في قصتها هو كيف علمت بأن أبنتها ماتت خنقا وبأن رقبتها كانت مكسورة ؟!.
ما رأيك أنت عزيزي القارئ ؟ هل تصدق بحقيقة هذه القصة وهل تؤمن بأن الأموات ممكن فعلا أن يتصلوا بالأحياء عن طريق الأحلام ؟ هل مررت بتجربة مماثلة ؟ أم تراك تنكر إمكانية حدوث ذلك جملتا وتفصيلا ؟.
على العموم لا تتعجل الرد، أنتظر الجزء الثاني من هذا المقال قبل أن تحكم على الأمر، لأني عازم على مواصلة إدهاشك بقصص يصعب تصديقها، لكنها حقيقية وموثقة، انتظرني قريبا مع قصة الممرضة التي عادت من العالم الآخر لتوقع بقاتلها، وكذلك قصة الأم المقتولة التي أرشدت الشرطة إلى مكان جثتها المفقودة!.