بحث : متي يثور المصريون
محيط:هل جُبل المصريون على الإستكانة لحكامهم؟ قطعا ستكون الإجابة بـ “لا” بعد اندلاع الثورة المصرية الأخيرة، ولكن الحقيقة أن هذه النظرة كانت مترسخة بالفعل عن المصريين في الماضي، وسعى كتاب حديث صادر عن دار “صرح” لإزالة بعض القناعات المتسرعة من جانب المؤرخين القدامي.
وقد حقق المؤلف د. هشام عبدالعزيز مخطوطة كتبها المؤرخ مصطفى بن محمد نجيب قبل أكثر من 120 عاما أي بعد الثورة العرابية، وقد كان مؤلفها من أقطاب الحركة الوطنية والمؤيدين للخلافة العثمانية.
في كتاب “خروج المصريين على الخلفاء والسلاطين” يوضح المؤلف أن العرب لم يعرفوا كلمة “ثورة” ولم يستخدموها إلا نادرا ، وقد استبدلوها بمعناها الحالي بكلمة “خروج” أو فتنة أو عصيان وربما تمرد.
وقد اتفق الباحثون حول العالم على أن “الثورة” يصحبها تغيرات فجائية وجذرية وأحياناً عنيفة لحكم قائم وكذلك النظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له.
ويعرف بيتير سوروكين “الثورة الشاملة” بأنها ثورات عظيمة الأثر في بلدانها وخارجها، وعلى المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي مثل الثورة الفرنسية عام 1789، والثورة الروسية 1917، وقد تقترن ثورة سياسية بثورة اجتماعية ثقافية وقد تحاول الأولى بعد نجاحها تهيئة المناخ للثانية.
الثورة الفرنسية |
أما اليساريين من القرن التاسع عشر فيرون أن الثورات أدوات التقدم “الحتمي” نحو مجتمع تسوده الحرية والاستقلال الذاتي والتناغم الاجتماعي والمساواة، وأن الانتفاضات الجماهيرية لا تكون أصيلة إلا عندما تكون موجهة ضد الحكام المستبدين.
إلا أن البعض نظر للثورة باعتبارها حالة من “الفوضى” فيرى بعض المفكرين من أمثال “نيتشه” و”جوستاف لوبون” أن الثورات مجرد انفجارات شبه بربرية وانفعالات جماهيرية مدمرة خارجة عن السيطرة !!
الحاكم والمحكوم
ينقلنا د. هشام عبدالعزيز في دراسته التمهيدية إلى “الحاكم” هذا اللفظ الذي تردد في الأدبيات السياسية العربية بترادفات كثيرة منها الوالي أو الخليفة وأمير المؤمنين والسلطان والراع وولي الأمر وأخيراً في بداية القرن العشرين “الرئيس”، وقبل المصطلح الأخير دارت جميع الألقاب السابقة حول “الحكم بالحق الإلهي” وملكية الأرض وما عليها، وقد قطعت الأمة العربية أشواطاً طويلة حتى تنهي هذه الصلة بين الأرض والسماء فيما يتصل بشئون الحكم والدولة إلا أنه لازالت هناك بقايا لهذه الفكرة السابقة.
أما “المحكوم” فيسمى في الأدبيات السياسية العربية بأسماء كثيرة تدور كلها حول الطاعة العمياء لأولي الأمر فيسميهم المعجم السياسي العربي رعية وموالي وعوام وهم الشعب وأحياناً كثيرة الدهماء.
ويرى “سارتر” أن الأحزاب لا الأفراد هي الأقرب لأن تكون ثورية وهي القادرة على اجتذاب أفراد يتمتعون بإمكانية الانخراط في أعمال ثورية، ويلفت إلى أن الشخص المضطهد هو المرشح الأقوى ليكون ثورياً، وأنه لا يعتبر كذلك إلا إذا حصل على مطالبه عن طريق “تحطيم الطبقة التي تضطهده”.
ينقلنا د. هشام عبدالعزيز في دراسته التمهيدية إلى “الحاكم” هذا اللفظ الذي تردد في الأدبيات السياسية العربية بترادفات كثيرة منها الوالي أو الخليفة وأمير المؤمنين والسلطان والراع وولي الأمر وأخيراً في بداية القرن العشرين “الرئيس”، وقبل المصطلح الأخير دارت جميع الألقاب السابقة حول “الحكم بالحق الإلهي” وملكية الأرض وما عليها، وقد قطعت الأمة العربية أشواطاً طويلة حتى تنهي هذه الصلة بين الأرض والسماء فيما يتصل بشئون الحكم والدولة إلا أنه لازالت هناك بقايا لهذه الفكرة السابقة.
ثورة 1919 |
الأوضاع السيئة
لا تأتي “ثورة” من فراغ فلابد أن يسبقها “أوضاع سيئة” تدفع بالشعب لإعلان ثورته عليها والتي قد تتمثل في تفشي الفساد أو تردي الأوضاع السياسية وهذا ما يظهر في ثورات العالم كله، أما في منطقتنا العربية فالسبب في قيام الثورات على الحاكم القائم وفقاً للمؤلف تتمثل في وجود شخص آخر يرى في نفسه الكفاءة أكثر في الحكم، في حين لم يأت سوء التدبير وتردي الحالة الاقتصادية كسبب واضح للقيام بثورة في العالم العربي، حيث كانت النخب العربية ترجع دائماً سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لأسباب طبيعية خارجة عن إرادة الحاكم مثل الفيضانات أو الجفاف أو ندرة الموارد وغيرها.
إلا أن بعض المفكرين العرب تنبهوا في العصور الوسطى إلى الفساد السياسي كسبب رئيس من أسباب سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية ومنهم المقريزي في كتابه “إغاثه الأمة في كشف الغمة” حين صرح بالكثير من الجرأة قائلاً ” أن ما بالناس سوى سوء تدبير الزعماء والحكام، وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد”.
وكثير من الأدبيات السياسية ربطت بين الفعل الثوري والعامل الاقتصادي مثال الماركسيين الذين يرون أن السبب المباشر للثورة عندما “لا تستطيع الطبقات الحاكمة ولا تريد الطبقات المقهورة المستغلة أن تعيشا معاً في ظل الشروط القائمة، وهذا التناقض بين الطبقات الاقتصادية هو الذي يفضي إلى ثورة عنيفة”.
الوسطاء يمتنعون
ما بين الحاكم والمحكوم تقع طبقة “الوسطاء” التي لا تدخر جهداً في تنمية مصالحها الشخصية على حساب كلا الطرفين والتي أشار إليها د.عبدالعزيز بأنها طبقة كاملة في الأدبيات السياسية العربية تطورت أحياناً لتكون حاشية وأحياناً صفوة ودائماً خاصة أو نخبة، وهي وفقاً له “دائرة نار” تحوط بالحاكم ولا يستطيع اختراقها المحكوم.
ويؤكد الباحث أن جزءً كبيراً من الكوارث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لحقت ولا تزال بالأمة العربية ترجع لهذه النخبة والتي لا تجيد سوى خداع الحاكم والمتاجرة بالمحكوم ( اتضح ذلك جليا في ثورة 25 يناير) .
ويرى الكاتب أن مثقفي الوطن العربي أشبه بالوسطاء “السماسرة” الذين يتحدثون عن المجتمع وهم لا يعرفون عنه شيئا، ويوهمون المؤسسة السياسية دائماً بأنهم الأكثر معرفة بالناس لا لشيء إلا لجني المكاسب وتحصيل العمولات ولا يتورعون كذلك عن الثرثرة عن تضحياتهم في سبيل كلمة الحق، والناس في وسط كل هذا الضجيج يعيشون في واديهم الضيق لا يعرف عنهم حكامهم أو مثقفوهم شيئاً.
ما بين الحاكم والمحكوم تقع طبقة “الوسطاء” التي لا تدخر جهداً في تنمية مصالحها الشخصية على حساب كلا الطرفين والتي أشار إليها د.عبدالعزيز بأنها طبقة كاملة في الأدبيات السياسية العربية تطورت أحياناً لتكون حاشية وأحياناً صفوة ودائماً خاصة أو نخبة، وهي وفقاً له “دائرة نار” تحوط بالحاكم ولا يستطيع اختراقها المحكوم.
أحمد عرابي والخديو والمندوب البريطاني |
الشعب طيب مش غبي يصبر أوي لكنه لو ثار يكون كالبركان الهائج لا يوقفه أي شئ.
الشعب طيب مش غبي يصبر أوي لكنه لو ثار يكون كالبركان الهائج لا يوقفه أي شئ.