من جيل الوسط إلى جيل الآباء
أكتب غيرة على وطني الذي أنتم عليه أحرص وبه أعلم، وددت أن أبثكم ما يعتمل في صدري وصدر كثيرين ممن ينظرون إليكم قدوة ومثلا وأملا لوطن على حافة الهاوية.
على مر الأبعين سنة الماضية شاهدت بأم عيني وصول مشهدنا لامصري الآني للآتي:
1. لقد عمت الفوضى كل أرجاء الوطن وضرب الفساد بأطنابه كل ركن في بلدنا دون فعل جدي من المسيطرين على زمام الأمور لتغيير الواقع بل بمساهمة منظمة منهم في زيادته.
2. إنهارت كل المرافق الرئيسية، التعليم والصحة والمواصلات، وحتى النهر الذي وهبنا هذا الوطن، يفرط في حقوقنا التاريخية فيه بمزاعم عدة مبعثها إما جهلا أو ضعفا، مما لا يهدد فقط المستقبل، ولكن يهدد حالة الوجود، حالة الكينونة المصرية.
3. لم تتداول السلطة في مصر منذ إغتيال الرئيس السادات.
4. توغل أصحاب الأموال بحيث أصبح كل ما في البلد للبيع وكل شيء له ثمن، إلا الإنسان المصري الذي رخص إلى درجة إطلاق الرصاص عليه وهو يحاول أن يبحث عن لقمة العيش الحلال في الدول المجاورة، إطلاق الرصاص من قبل جنود بلده لأنه يحاول التسلل خارجا من البلد!!
5. لا توجد مشاريع نهضوية مصرية، أجهض المشروع الإشتراكي الناصري بموت عبد الناصر والمشروع الساداتي ولد بلا جذر فمات بموت منشئه، لم يحل محلهما كما كان متوقعا المشروع الإسلامي، الذي انحسر اليوم في خمسة فرق إن صح التعبير:
a. الفريق التائب، السجناء القدامي، مبادرة نبذ العنف أخرجتهم نعم، ولكن أخرجتم جلوسا، لا يقف فيهم أحد، ولا يتصور وقوف أحدهم في القريب بعد تضحيات لا يعلمها إلى الله دفاعا عن ما ظنوه حقا، من عمر وعائلات عاشت تحت القهر الأمني، بعد تلك الأثمان الهائلة التي دفعوها لا يتوقع أن نرى منهم مساهمات في الحياة السياسية.
b. الإخوان، وهم يدفعون أثمانا غالية لما لا يشترون، لا فعل، هذا هو شعار ما اعتقدنا أنه قوة الشارع الضاربة، تلك القوة الضاربة التي لانراها يوما إلا في الجنائز.
c. الوسطيون، أو اصحاب المشاريع المستقلة، لا يستطيعون خروجا من عباءة الإخوان ولا يعرفهم رجل الشارع.
d. المشايخ، هم أفراد وأحيانا فرق عدة “جبهة علماء الأزهر” ولكن انحسر دورهم إما في الفتوى أو في التصدي لفساد المؤسسة الدينية وتدجينها ويالها من مهمة تستغرق بدل العمر الواحد أعمارا، فحفظهم الله لها.
e. الدعاة الجدد، نوع جديد من المشايخ لا يخوض حروبا حقيقية، قضاياه شكلية تفرغ الطاقات بلا مردود حقيقي على قضية الوطن الكبري.
5. فقدت مصر ريادتها العربية. تنطلق الكلاب السعرانة بعد مباراة كرة قدم ليقول أحد المذيعين بالنص داعيا الجماهير المصرية إلى أن “اذهبوا لكل بيت…أطردوهم…كل بيت لا تتركوا أحدا….” بلا حساب وبلا مراجعة من أحد.
6. فقدت مصر ريادتها الإسلامية. مثال ذلك قيام شيخ الأزهر بالتطوع للقاء حاخامات اليهود من تلقاء نفسه مدا ليد العون لليهود الغلابة يا عيني…
7. فقدت مصر ريادتها الإفريقية. إلى الحد الذي تقوم فيه السعودية بدور الوسيط للمصالحة بين السودان وتشاد. وقطر بدور المصالح بين الفرق الدرفورية المتناحرة.
8. أطلق النظام الحالي وسائله الإعلامية في حملة منظمة منهجية لتحويل الشعب المصري من شعب مثقف، عامل، إلى شعب خامل تحورت لديه منظومة الأخلاق التقليدية، أو شعب منهك، متعب، كفاحة لا يقوده إلى أية نهاية منطقية، تمحور هدف الغلابة والمطحونين حول ربح المسابقات التي تقدم الشقق والسيارات، نشهد تدهورا حادا في الخطاب والتفكير، الأمر الذي أوصل تكتل المعارضة الوحيد الذي يتحرك في الشارع إلى تبني شعار غريب في محاولة لخلق حراك إجتماعي وسياسي ضد التوريث المرتقب، الشعار يدل على الثقافة المصرية الحالية “ما يحكمش”.
9. لا يوجد قادة واضحون، أعني قادة يمكن أن تكون لهم منابرهم التي منها يخاطبون الناس ويجمعون القوة اللازمة للتغيير.
10.أحدث النظام لبسا خطيرا في مفهوم الأمن القومي وفي تعريف من هو العدو. ساهم هذا في خلط الأوراق المصرية وتقليص “لحد العدم” دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية.
11.فقدنا الأمان بكل جوانبة، الإجتماعي، السياسي، القومي لا يوجد إستثناء، يخطف الأطفال ويقتلون أو يعتدى عليهم في جرائم وحشية تعود بنا إلى القرون الوسطى وإلى عصور ما قبل الأديان ولا يتحرك أحد، تقتل أسر بأكملها ولا يجد الأمن الفاعل، وتحفظ القضايا أو تلفق، تفبرك التهم للمتهمين في قضايا الرأي العام ولا يتحرك أحد. أصبحت مصر وفقا للتقارير الدولية مركزا مهما ونشطا للإتجار في البشر، ولا تفعل الحكومة إلى الإنكار.
12.أظهرت الوسائل التقنية نمطا جديدا من المقاومة متمثلا في المدونين، حركات شبابية كحركة 6 إبريل وغيرها، صاحب هذا إضرابات عمالية واسعة النطاق إعتراضا على السياسات الإقتصادية للدولة ولكن كل هذا يتم بعشوائية شديدة وبلا قائد حقيقي يقود ويفكر ويصنع التغيير.
13.لقد وصلت مصر، وطننا الذي لا وطن لنا غيره لمرحلة غير مسبوقة من التردي.
14.من قلب كل هذه الظروف السابقة تخرج الأقليات في محاولات يائسة للحصول على حقوقها، أو في محاولات مستقوية بالغرب للحصول على ما يمكن أن تفرزه حقبة الضعف هذه من مكاسب وإن كانت غير عادلة.
ما العمل لتغيير هذا الوضع غير المسبوق في التاريح الحديث لمصر، والهاجس الأمني، المعتقل، البهدلة، تتربص بكل معارض علني للنظام، وخصومة النظام فُجر مع معارضيه وتربص بالعِرض والمال والولد.
التغيير لن يأت من الشارع في غيابة الزعامة، لم ينزل المصرييون الشارع طوال تاريخهم إلا مرات معدودة وكانت مصحوبة بوجود زعامة تحرك الأمور أو تفرضها فرضا.
اليوم في غياب هذه الزعامة لن يتحرك المصريون إلا تلك الحركات العشوائية التي لا تقود إلى شيء، تعبر نعم عن غضب عارم، إحتجاج هائل ولكن…ما النتيجة علاوة هنا علاوة هناك وتخمد الأصوات في مسيرة الأفواه الجائعة والتعليم و…و..و…
اسمينا جيل الوسط الذي تربى على موروثات التعذيب في السجون ورايى المعارضين يطاردون وينكل بهم، وشاهد السادات يقتل في منصته ووسط رجاله، وشاهد كذلك الإسلامبولي في القفص يلوح بعلامة النصر، عشنا رعب الدم في الشارع والمواجهات المسلحة على قارعة الطريق، عشنا خوف الأهل علينا ودفعهم بنا إلى التعلم، كنا صغارا نسأل… نود أن ننضم لتلك الحركة أو هذه فكان الرد إكبر، تعلم، قم بما عليك، ثم افعل ما يحلوا لك، وعندما بلغنا هذا القدر الذي به لذنا… من نتبع…ما المنهج من المحرك الذي يمكن أن تأمن له وتطمئن إلى إستقامته فكان الصمت والغضب يعتمل في الصدور، هذا هو نحن هذا هو جيل الوسط. لو كان هذا حالنا فهو حال المصريين في غالبهم، فلا أحد يود لإبنته أن تبيت في القسم لتصبح مباحة لعساكر الدرك، ولا أحد يود ان يضيع مستقبل ولده في تلفيقة قضية ممنوعات انتقاما من رغبة تتبعها حركة لتغيير لن يحدث.
نعم هناك ثمن إن أردنا أن نغير، ولكن ثمن بلا نتيجة لا حالة ولا متأخرة، لن يقدمه أحد. هذا الشعب ليس شعبا دمويا، لن يكرر صورة الثورة الفرنسية إلا إن كانت ثورة جياع، وهذه حالة فوضى لا تتصور. ولا يريد أحدا تغييرا يدفع ثمنه المآت من أرواحهم بلا نتائج مرحب بها، لا تؤكد على التغيير أو على تداول السلطة.
اليوم يأت من لا يقدر عليه النظام، من لن تسكته معتقلات، ولن ترهبه التهم، من لا يستطيعون له إغتيالا في جنح الظلام، من نجح بعيدا عنهم ولا يدين لهم بشيء. يأتي بكلام معقول وتوقعات منطقية، هل هي خطة أمريكية؟؟ هل هو عميل؟؟ هل هو …هل هو…
الرجل يقول كلاما منطقيا، وهو ليس مرشحا بعد، ولم يعقد الأمر على شيء محدد سوى الرغبة في “أن أكون أداة تغيير”:
العدالة والأمن الإجتماعي
لابد من العدالة لهذا الشعبلابد من خلق إنسجام إجتماعي
لابد من سياسات واضحة للقضاء على الفقر والظلم والقهر
لابد من التخلص من الهاجس الأمني والتفسير الأمني لكل متغير
دوليا
مصر انسحبت من دورها الإقليمي وحلت محلها تركيا وإيران
لابد من عودة الريادة المصرية
الحرية الشخصية
نعم للنقاب، إنه حرية شخصية، هو ردة للخلف نعم، ولكن طالما يمارس في حدود لا تهدد المجتمع فالأمر لأهله
المواطنة
لا أمانع أن يكون الرئيس مسيحيا أو سيدة
سياسيا
لابد من تداول السلطة
مستعد للتعاون مع الإخوان ومع من كان
لا خصومة لي مع النظام الحالي إلا الوضع الذي آلت إليه الأمور
العلاقة مع العدو
مصر وقعت سلاما منفردا مما أثر علينا إلى يومنا هذا
فلسطين
لابد من حل القضية الفلسطينية، التي تتم اليوم تصفيتها
لابد من فتح المعابر إن كنا سنغلق الأنفاق
تبع ظهورة محاولات للإلتفاف حوله من ألوان طيف كثيرة على الساحة المصرية، كما هو
متوقع غاب الإخوان وأي إسلامي مستقل، بل والحركات الإسلامية الشابة إن صح التعبير.
هذا الإلتفاف، ليس لأنه أمريكي، وليس لأنه قادم من الخارج، وليس لأنه حاصل على جائزة نوبل، هذا الإلتفاف للأتي:
1- هو فرد مستقل، لم يعرف له إنتماء ايدلوجي معين، فهو إذا بعيد عن التناحر السياسي الدائر في مصر والموروثات والإتهامات التقليدجية (انت إخواني- إنت يساري- إنت مع مسيحيي الخارج…إلخ إلخ).
2- لن يستطيع له النظام “مسكه” فهو قوي بدوليته، وبعلمه الذي لم يكن جراء لواسطة أو لتدبير من الحزب الحاكم.
3- عرف بمساندته للعدالة الدولية “لم تملك العراق سلاحا نوويا قبل الضربة الأمريكيـة، عرضت على إيران مخرج التخصيب الخارجي، لست مع العنف الدولي، والضربة الأمريكية الإنجليزية كانت لتغيير النظام”.
4- هو مصري ناجح يؤكد قوة المصري في وقت يعاني فيه مصري الداخل كل ألوان الذل والهوان.
5- أهم من كل هذا، هو خاطب علنا النظام بانتقادات قوية واضحة لا لبس فيها.
6- صدق فعله قوله حيث تبرع بكامل قيمة جائزة نوبل للعشوائيات وفقراء مصر.
7- عززالإلتفاف حولة شعور المصرييون بالأمان، فأفكاره ليسم هم مروجوها رغم أنهم معتنقوها، ليس هناك ثمن كبير محتمل سيدفعوه لو التفوا حوله غلا ضربة هنا وضربة هناك، فهو موجود بهم أو بدونهم، وإحتمالات التخلص منه بالطرق التقليدية لن تكون ناجحة.
8- هو ابن الطبقة الوسطى المثقفة، يرسخ وجوده نجاح قيما غائبة عن الساحة، التعليم، الثقافة، النجاح بلا واسطة.
اليوم مصر في حاجة إلى مرشحا رئاسيا توافقيا، قائد يفهم كيف يستمع للرأي الآخر، رجلا يدرك أن التفاهم مع الخصوم لا يعني التخلص منهم ورميهم في غياهم الجب سواء كان الجب جب سمعة تدمر أو رزق يغلق بابه أو اسرة تشرد، مرشحا يثق به الشعب، يثق أنه لا أطماع شخصية له، مرشحا ليس إسلاميا ولا ناصريا ولا يمينيا ولا ليبراليا، مصر في حاجة إلى مرشحا وطنيا فقط.
بعيدا عن نماذج كثيرة وقفت في وجه النظام في الإنتخابات الرئاسية السابق، نماذج لا ترسخ المفهوم المصري للزعامة بل وتمثل في كثير من تصرافاتها ما يرفضه المصريون. لقد رأينا محترموا الداخل يمتنعون، عندما قام البعض بترشيحات مصرية من المفكرين المعروفين لمثل هذا الدور جاء الرفض منهم ومن أسرهم، نأيا بهم عن معترك لا ضمان فيه للإحترام وللمكانة الأدبية والتاريخية للأفراد.
اليوم، نحن لا نعرف حتى إن كانت هذه فرصة تاريخية، لحظة فاصلة أم لا، ولكن من أين أتى أحمد عرابي؟؟؟ من أين أتي سعد زغلول، بل ومن أين أتى جمال عبد الناصر، وحسن البنا ألم يكن متسللا من الإسماعيليةJJ كانت لحظات تاريخية أطلقتهم كالشهب، ولكن في كل تلك اللحظات التاريخية التوافقية للأمة، لم يكن هناك يقين قطعي بقدوم التغيير، ولكن تحركت الأمة بتحرك القائد، وخمدت الأمة بخموده لأن آلية التطور غابت، آليات الإستمرار لم يهتم بها أحد، وهذا ما يميز رجلا كالبرادعي، الناس لا يريدونه هو قدر ما يريدون ترسيخ الآليات التي ينادي بها.
اليوم تأتي لحظة جديدة، هل يعزف المفكرون والأفراد المؤثرة في المجتمع عنها شكا في الرجل، هل هو الرجل أم هل هو الوطن، لم لا يؤيده المصريون، حتى لو كانت حالة نرجسية ورغبة غير قائمة على إدراك حقيقي للوضع الحالي في البلد. إن أفرز الإلتفاف حوله والمساهمة في تغيير الوضع الحالي نتيجة إيجابية فبها ونعمت، وإن لم يكن ما نأمل فلن يكون هناك تفريغا للطاقات أكثر مما نحن فيه.
إن كان هناك دستورا جديدا في طور الإعداد، مشروعا يجمع الأمة حوله، أتتركه جموع المفكرين؟؟ إن وجود الجمع الأكبر للمفكرين داخل هذه البوتقة المتفاعلة سيضمن عدم تفريغ هذه الفرصة من مضمونها سيضمن أن دستورا جديدا يعد كدستور 23 لن يتضمن فقط الشكليات مثل حق المرأة مقابل طمس الرجل وطمس الأسرة، وحرية الأقباط فقط دون إلتفاف مثلا للنوبيين، وجود جيل الىباء من المفكرين والمثقفين في هذا الجمع سيؤكد على القضاء على الفساد بتكامل وعلى ري الجذر الحي لهذا البلد ليضرب موصلا تلك الاشجار المنبتة الصلة ببعضها البعض خالقا لنا وطنا جديدا؟؟
إن لم يكن هذا فدلونا نحن جيل الوسط الطريق، صحيح نحن اليوم الجيل الأربعيني ولكن مات زالت بوصلتنا مع كثير من مثقفي هذ البلد اللذين يخلقون الوعي العام لنا، نحن وكثيرين.
إن لم يلتف أهل الثقة حول الرجل مات المشروع وترك لعبث العابثين، وإن إلتفوا وجد البناء بتمام الأركان وتقويتها.
ليس المهم الآن كيف ستكون مصر التوافقية، إسلامية، إشتراكية، ليبرالية، المهم أن تكون مصر، المهم التغيير، الأغلبية إذا ما سنحت لها الفرصة ستأتي بما تريد وبمن تريد. نريد مصرنا التي حلمنا به والأمر في أيدي مثقفي البلد وساسته من البعيدين عن النظام الحاكم. إلتفوا حول الرجل حولوا الفرصة إلى شعلة لا تنطفيء، هذه مصر…وطننا …بلدنا وبلد أولادنا من بعدنا.
فاطمة محمد سليم العوا
زر الذهاب إلى الأعلى