حوادث وقضايا

«رشيد» و«غالي» جيران بحي كامبريدج في لندن

روزاليوسف :ثروته تزيد علي 10 مليارات دولار.. عمل علي قدم وساق منذ بداية فبراير الماضي ولمدة 3 أيام علي تهريب ممتلكاته في رحلات بدأت من مطار برج العرب بالإسكندرية يوم 1 فبراير، واستمرت حتي ضبطت في 4 فبراير، حيث تم تسجيلها وتوقيفها في المطار، إنه رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة الأسبق الذي كان السبب الرئيسي وراء انتباه القاهرة لما يحدث في المطارات التي كان يسيطر عليها رجال أعمال حكومة أحمد نظيف، حيث جاء قرار النائب العام عبدالمجيد محمود في مساء يوم الجمعة 4 فبراير الذي أطلق عليه «جمعة الرحيل» بمنع عدد من المسئولين ورجال الأعمال من السفر وتجميد أرصدتهم بالبنوك لحين استقرار الأوضاع بالبلاد.

في مطار برج العرب كانت طائرة مستعدة للسفر خارج مصر ومعها شاحنات حملت معظم ممتلكات رشيد الثمينة دخلت لمهبط المطار يرافقها عدد من أصدقاء رشيد الذين وعدوه بخروج آمن من المطار دون ممانعة، وعلي الجانب الآخر لن يقف ضباط شرطة ومعهم ضباط بالجيش يتولون إدارة وحماية المطار الحيوي يرصدون التحركات الغريبة، حيث قاموا بضبط السيارات وعليها أشياء ثمينة وقطع أثرية لم يتمكن أي منهم من تقديرها لعدم وجود الخبرة الفنية ليقوموا بإبلاغ المسئولين بالقاهرة بالموضوع فتصدر الأوامر بمنع طائرة رشيد محمد رشيد من تحميل البضائع وتصادر الصناديق وتودع مخزن البضائع المتحفظ عليها تمهيداً لفحصها.

وسجلت بعض السلطات مغادرة رشيد لمصر من مطار القاهرة علي متن طائرته الخاصة التي أقلعت من صالة 4 صباح يوم 1 فبراير مصطحبا معه كل أسرته المكونه من زوجته وبناته الثلاث متوجها إلي دبي بدولة الإمارات، وعلي الرغم من أن السلطات في دبي أنكرت يومها المعلومة التي سئل عنها العميد مجدي الشافعي مدير مكتب الانتربول المصري بأن رشيد متواجد في دبي لتصفية أعماله بها إلا أن برنامجاً مصرياً شهيراً ظهر فيه الوزير متحدثا علي الهواء من استديوهات البرنامج بدبي ليفضح حقيقة تواجده علي الأراضي الإماراتية.

وتشير المعلومات لقيامه ببيع كل أصوله وممتلكاته بدبي لشخصية عربية شهيرة وبفارق سعر كبير.

في الوقت الذي تظهر فيه معلومة من وقائع مستندات الأجهزة الإسرائيلية التي تابعت الثورة المصرية وادعت أن رشيد عندما قامت الثورة لم يكن في مصر التي وصلها صباح يوم 27 يناير 2011 بناء علي استدعاء رسمي عاجل بتليفون من الدكتور زكريا عزمي.. طالب فيه رشيد بالعودة للقاهرة فورا بناء علي تعليمات الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث كان طبقا لتلك المعلومات سيعين رشيد رئيسا للوزراء خلفا لنظيف لكنه رفض المنصب الذي عرضه عليه مبارك مما دفع الأخير ونجله جمال لاتهام رشيد بالخيانة العظمي للبلاد وتوعداه بالمحاكمة العلنية عقب هدوء الظروف ثم اختار مبارك أحمد شفيق رئيسا لوزراء مصر في 29 يناير.

هذه المعلومات وصلت لإسرائيل من مبارك شخصيا كما يدعون، حيث زعموا أن مبارك تشاور في اتصال تليفوني مع صديقه بنيامين بن إليعازر الذي رشح رشيد كاقتراح للخروج من الأزمة وقتها ولأنه يعرف رشيد جيدا بسبب أن الوزير المصري كان يحمل كما ادعوا صندوق العلاقات التجارية السرية بين مبارك وتل أبيب، وأكدوا أن سبب هروب رشيد من القاهرة في 1 فبراير حاملا ما خف وزنة وزاد ثمنه هو خوفه من بطش مبارك وجمال.

ويتردد أن رشيد أكد للمقربين منه عقب خروجه من تلك الجلسة الثلاثية بينه وبين مبارك وجمال بشعوره بالخوف الشديد كأنه ارتكب خطأ حياته فقرر الهرب من مصر من «مبارك».

والمسجل في الكمبيوتر المركزي لمجمع التحرير قسم الجوازات هو حصول رشيد علي الجنسية الكندية حيث كان يحمل جواز السفر الكندي لتجديده لانتهاء صلاحيته في نوفمبر 2010 وهو الشيء الذي دفع العميد مجدي الشافعي إلي إرسال صورة من قرار التحفظ علي أموال رشيد ووضعه علي قوائم الترقب للوصول الصادر يوم 4 فبراير للسلطات الكندية وطالبها بعدم السماح له بتجديد جواز السفر الكندي لمنعه من الهرب مستخدما الجنسية الكندية.

إلا أن رشيد نجح في تجديد جواز سفره الكندي صباح يوم 2 فبراير من السفارة الكندية بدبي لأن القوانين الكندية لا يوجد بها أي مانع قانوني يمنع المواطن الكندي من استخراج أو تجديد جواز سفر جديد له حتي لو كان مطلوبا للاعتقال، ومن ثم جدد رشيد الجواز دون عناء وقيل إنه حصل علي جواز جديد خلال أقل من 5 دقائق ليطير بعدها إلي باريس بفرنسا حيث ظهر علي شاشات تليفزيونات عربية في مساء 8 فبراير 2011 من هناك.. نافيا قصة هروبه من مصر ومدافعا عن موقفه، ومؤكداً أنه رفض قرار مبارك بترشيحه لوزارة أحمد شفيق التي بدأت أعمالها في صباح 29 يناير وصرح يومها بأنه علم بأن حكم مبارك قد سقط للأبد وأن تواجده في مصر أصبح خطراً يهدد شخصه وأسرته وتعاملاته المالية فقرر السفر.

أما صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فقد سألت رشيد تليفونيا عن حجم ثروته الحقيقي في 8 فبراير وحددت له الصحيفة أنها 2 مليار دولار أمريكي طبقا لتقديرات إسرائيلية فصرح بقوله لو كانت 1% من هذا المبلغ فأنا أسعد شخص في العالم.

وكانت محكمة شمال القاهرة برئاسة المستشار علي الطاهر قد أيدت في صباح 9 يونيو الجاري منع رشيد وزوجته هانية محمود فهمي من التصرف في كل أصولهما الثابتة والمنقولة في داخل مصر كما سري القرار علي أفراد من أسرته بناء علي المستندات والبيانات الرسمية الواردة من الأجهزة الرقابية وأرقام البنك المركزي المصري عن أرصدة رشيد وتاريخ التعامل علي أرصدته وهي التي جعلت القاضي يتخذ الحكم دون تردد.

المثير أن رشيد ربما يكون الأصعب من بين الشخصيات الهاربة من مصر بعد أن وضع الانتربول الدولي بياناته علي القائمة الحمراء في صباح يوم 25 فبراير بناء علي طلب السلطات المصرية ذلك لحمله ليس فقط الجنسية الكندية، بل لحصوله أيضا علي الجنسية البريطانية كمواطن عبر البحار وهي جنسية تمنح للمواطنين الإنجليز ممن لا يقيمون في بريطانيا والقانون البريطاني مع أنه يعترف بحاملي تلك الجنسية كمواطنين إنجليزيين غير أن القانون نفسه يمنعهم من العديد من المميزات منها ضرورة مراجعة السفارات البريطانية لطلب تأشيرة دخول لبريطانيا غير أن إجراءات الحصول علي تلك التأشيرة تكاد تكون إجراءات شكلية وبالنسبة لحالة رشيد لم تكن هناك حاجة ماسة لتلك الإجراءات نظراً لتمتع الرجل منذ دخوله للوزارة في مصر يوليو 2004 بالجواز المصري الدبلوماسي الذي مكنه من السفر لأي دولة بالعالم دون الحاجة لتأشيرات أو الحصول علي تصاريح مسبقة وهي تلك الميزة التي سحبت منه ضمن القرار القضائي للنائب العام في 4 فبراير الماضي.

وتكفي حقيقة حصول الهارب علي جنسية دولة أوروبية واحدة لتكون عائقا لا يستهان به في قضية إعادة الهاربين والمطلوبين للعدالة في مصر.. إلا أننا نتعرف علي وجود صعوبة مضاعفة في تسلم رشيد مزدوج الجنسية الكندية البريطانية من أي من الدول المتواجد بها خاصة بريطانيا حاليا لأنهم لم يلقوا القبض عليه فضلا عن عدم وجود اتفاقية تسليم متهمين بين القاهرة ولندن بجانب أن رشيد مواطن إنجليزي حاليا يتمتع بالإقامة الدائمة وهي ما تمنحه مميزات المواطنة الكاملة، حيث أصبح مواطناً مقيماً وليس عبر البحار، بالإضافة إلي أن أصول رشيد المالية لم تقم أي دولة أوروبية بتجميدها حتي يشعر بالخطر المالي أو عدم وجود المصادر التي تمول عملية بقائه في الخارج بشكل دائم وعلي هذا الأساس يقيم السهرات حاليا مع يوسف بطرس غالي بشكل شبه يومي كي يضفيا البهجة علي أسرتيهما اللتين تشعران بالخوف والرعب الدائم كما يتجولان في رحلات نهاية الأسبوع لباريس ويعودان في المساء للندن للتجول بين المسارح والسينمات الشهيرة ويحضران كنجوم سابقة في الحياة السياسية بمصر للمطاعم الإنجليزية الشهيرة، كأن شيء لم يكن، وكأنهم في إجازات طويلة مستمرة من العمل السياسي ينفقون أموالا سنتحدث عن مصادرها طويلا.

فضلا عن أن النشرة الحمراء علي عكس ما يعتقده البعض لا تجبر أي دولة بالعالم علي تسليم مواطنيها لدولة أخري حتي ولو كان الشخص مصري الأصل والمولد.

غير أننا تأكدنا في نفس السياق أن صدور الأحكام العادلة من القاهرة علي الهاربين الذين بلغ عددهم حاليا حوالي 404 هاربين منهم 35 من المشاهير يمكنها طمأنة الدول المختلفة علي أن مواطنها من الأصل المصري حصل علي المحاكمة العادلة وهي الضمانة الوحيدة حاليا لمصر كي يمكنها ترجمة تلك الأحكام المنتظر صدورها ضد الهاربين ومن ثم تسليمها لسلطات بلد كل هارب كي يمكن لتلك الدول طبقا لقوانينها إعادة محاكمة الهارب إليها من جنسيتها فيمكن صدور حكم آخر عليه بالسجن في تلك الدولة لكن الخطورة تكمن في أن أصول الهاربين المالية المهربة والمسروقة من مصر سوف تؤول في تلك الأحوال لخزانة تلك الدول كما حدث في اسبانيا وكأن الواقع يشكل خسارة وخراباً علي الاقتصاد المصري وانتعاشاً خطيراً علي اقتصاد الدول الأجنبية التي حمل الهاربون جنسياتها.

رشيد المولود بالقاهرة في 9 فبراير 1955 صدرت ضده النشرة الحمراء للانتربول مشيرة إلي حمله للجنسية الكندية غير أن جنسيته البريطانية هي مفتاح تواجده حاليا بوسط لندن، أما المثير للسخرية أنه يتواجد في منزل مكون من طابقين بضاحية كامبريدج الشهيرة يتشارك في إيجاره مع وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي الهارب هو الآخر وهو لا يقل أهمية عن رشيد بالنسبة للقضاء المصري بل ربما يزيد بسبب وجود حكم قضائي بسجنه.

في المنزل الذي ترصده بعض الجهات المصرية علي الأرض يعيش رشيد في الطابق الأول بينما يسكن يوسف بطرس غالي الطابق الثاني منه ولا يفترق الاثنان عن أسرتيهما إلا عند الضرورة القصوي والمعروف أن إقامة الاثنين معا في ذلك المنزل المستأجر من عائلة جزار بريطاني يهودي الديانة يمتلك سلسلة محلات لحوم شرعية يهودية كوشير كانت لاقتناع زائف لدي كليهما أن المكان آمن وبعيد عن علم السلطات في القاهرة، حيث فضل الاثنان البقاء بعيدا عن شقتيهما بوسط حي ويست مانشستر الثري الذي لا يبعد كثيرا عن العقار المملوك لجمال مبارك بحي بيلجرافيا في وسط لندن.

أما شقة رشيد في ويست مانشستر فلها قصة شهيرة حدثت عام 2004 كان شخوصها ضباطاً من فرقة الاغتيالات التابعة للمخابرات الإسرائيلية، فقد جاءتهم معلومات متضاربة بسبب تشابه اسم رجل الأعمال المصري ورشيد محمد الذي كان يشغل منصب مستشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للشئون الاقتصادية حيث كانت إسرائيل تستهدف عرفات ورجالاته خاصة أن مستشاره كان معروفا أنه هو كاتم أسرار أرصدة ياسر عرفات وعملياته بالعالم.

وبعد أن صعدوا لشقة رشيد الذي كان قد وصل لتوه من القاهرة لحضور فعاليات مؤتمر ما بلندن فوجئ رشيد بالفرقة تقتحمها لتنفيذ عملية الاغتيال ولم ينقذه يومها سوي أنهم سألوه عن بياناته بعد أن شكوا جميعا في شكله الذي كان يختلف كثيرا عن الشخصية التي تدربوا علي صورها وهي قصة لا يعرفها سوي عدد محدود من الأشخاص ببعض الأجهزة السيادية وهي نفسها السبب الرئيسي في التعارف والتقارب بين رشيد ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارئيل شارون وبنيامين بن إليعازر الذي حرص دائما علي إلقاء النكات عندما كان يقابل رشيد لدي مبارك حول تلك الواقعة الغريبة.

أما الأغرب أن تشابه اسم رشيد مع شخص إسلامي مطلوب لإسرائيل قد تسبب في واقعة أخري لا تقل حرجا له.. حيث استوقفته ضابطة بمكتب الأمن الداخلي الإسرائيلي المعروف باسم الشاباك في إحدي زياراته السرية لإسرائيل بسبب ذلك التشابه في الأسماء بالرغم من أن موظفين رسميين من وزارة التجارة والصناعة كانوا في استقباله بصالة كبار الزوار بمطار بن جوريون الدولي بتل أبيب.

وكانت رسالة شكر قد صدرت لرشيد من وزارة الإسكان الإسرائيلية في أكتوبر 2010 بعد قراراته بتوريد الأسمنت لإسرائيل بواقع 100 ألف طن من بين 390 ألفا تصدرها مصر في العام الواحد ساعدت إسرائيل في بناء المستوطنات الجديدة واستكمال أعمال البناء في الجدار العازل – وذلك علي حد ذكر نشرة المواني الإسرائيلية بتاريخ 11 أكتوبر الماضي.

أما أصول رشيد الفعلية طبقا لما صرح به لوسائل الإعلام الإسرائيلية فلم تكن أبدا في مصر حيث كان يحتفظ في القاهرة بالشكل والواجهة غير أن الاستثمارات الفعلية كانت موزعة علي كندا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا.

الغريب أن نشرة هيئة الموانئ البحرية الإسرائيلية عن شهر مايو الماضي أشارت إلي أن رشيد هو من يقف وراء إدخال صفقات الطماطم الإسرائيلية إلي مصر منذ عام 2007 تحديدا بل إنه طبقا للأرقام المسجلة ساعد في زيادة عدد شركات الشراكة المصرية الإسرائيلية الأمريكية طبقا لاتفاقيات الكويز لتصل قبل انهيار حكومة نظيف إلي 10 آلاف شركة حيث كان يشرف علي ملف الاتفاقية رشيد وفيها تلتزم الشركات المصرية بأن تسمح لإسرائيل بنصيب 5.10% من حجم الخامات المطلوبة للصناعة في المصانع المصرية بالمناطق التي تعمل بنظام اتفاقية الكويز الدولية.

تلك الاتفاقية عقب سقوط حكم مبارك كانت مهددة غير أن نفس النشرة الإسرائيلية ذكرت أن اتصالات إسرائيلية جرت بعد هروب رشيد من مصر جعلت الرجل يتدخل ليطمئن الشركات الإسرائيلية التي كانت تعمل معه علي مدار الساعة لتنفيذ الاتفاقية التي رفعت التصدير المصري للولايات المتحدة الأمريكية بواقع 857 مليون دولار في العشرة شهور الأولي من 2010 في مقابل 770 مليون دولار في عام 2009 وهو ما يعني زيادة قدرها 6.20%.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button