نظم الرياح:
الرياح هواء متحرّك, وقد تهب الرياح بلُطف أو قد تهب بسرعة وعُنف لدرجة تجعلها تدمر المباني وتقتلع الأشجار الكبيرة من جذورها, والرياح القوية يمكنها أن تضرب سطح المحيط وتولد أمواجا عاتية يمكن أن تحطم السفن وتغمر الأرض لتحطم المنشآت على الشاطئ, وبإمكان الرياح كعامل مؤثر من عوامل التعرية أن تُبلي الصخر وتغير ملامح الأرض على المدى الطويل, والرياح جزء من الطقس؛ فاليوم الحار الرطب قد يتحول فجأة إلى بارد إذا ما هبّت الرياح من منطقة باردة, والسحب المُحَمَّلة بالمطر والبرق قد تتكون حيث يلتقي الهواء البارد بالهواء الحار الرطب, وتُسمى الرياح وفقًا للاتجاه الذي تهب منه فعلى سبيل المثال تهب الرياح الشرقية من الشرق إلى الغرب والرياح الشمالية تهب من الشمال إلى الجنوب, وتحدث الرياح نتيجة التسخين غير المتساوي للغلاف الجوي عن طريق الطاقة المنبعثة من الشمس, فالهواء الذي يعلو المناطق الحارة يتمدد ويرتفع ويحل محله هواء من المناطق الأبرد, وتسمى هذه العملية دورة, وتسمى الدورة فوق الأرض بكاملها بالدورة العامة بينما تسمى الدورات النسبية الصغرى والتي يمكن أن تتسبب في حدوث تغيرات في الرياح يومًا بعد يوم بالدورات النسبية الشاملة للرياح أما الرياح التي من الممكن أن تحدث في مكان واحد فقط فإنها تُسمّى الرِّياح المحليَّة.
وتحدث الدورة العامة للرياح فوق قطاعات كبيرة من سطح الأرض، وتُسمّى هذه الرياح الرياح السائدة, وتتنوع هذه الرياح باختلاف خط العرض؛ فبالقرب من خط الاستواء يرتفع الهواء الساخن إلى ما يقرب من 18 كم فيتحرك الهواء الأبرد ليحل محل الهواء المرتفع في نطاقين من الرياح السائدة, ويقع هذان النطاقان بين خط الاستواء وخطيّ عرض 30° شمالاً وجنوباً وتُسمّى الرياح في هذه المناطق بالرياح التجارية, وسبب التسمية اعتماد التجار عليها قديما في إبحار السفن التجارية, ولا تهب الرياح التجارية في اتجاه عمودي تماما على خط الاستواء بسبب حركة الأرض حول نفسها نحو الشرق ومعها الغلاف الجوي، وتجر حركة الأرض الجو معها فيتأخر عنها مما يدفع الهواء المتحرك غربا في كل من الشمال والجنوب, ويعود بعض الهواء الذي ارتفع عند خط الاستواء إلى سطح الأرض بين خطي عرض 30° شمالاً وجنوبًا من خط الاستواء فتضعف الرياح عند الحزامين لأن حركة الريح رأسية نحو الأسفل, ويقال أن سبب تسمية تلك المناطق بعروض الخيل هو أن عددًا كبيرًا من الخيول قد نَفَقَتْ على ظهر السفن الشراعية التي توقفت عن الحركة فيها بسبب شدة ضعف الرياح.
وقد صنف فرانسيس بوفورت( Francis Beaufort (1774-1857 عام 1805 الرياح تبعا لشدتها وتأثيرها على السفن الشراعية إلى درجات, ثم عدل الجدول لاحقا وفقا لسرعة الريح والتأثيرات على اليابسة, ووفقا لمقياس بيفورت المتدرج Beauforts Scale المعتمد لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية World Meteorological Organization وجد بعض الباحثين أنه يلتقي مع تصنيفات الريح التي ذكرها القرآن على النحو التالي: درجة صفر: هواء هادئ Calm سرعته دون 2 كم/ساعة ويكون البحر كالمرآة ويقابلها قوله تعالى: "إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ" (الشورى:33), ودرجة 1: ريح خفيف Light air سرعته 2-7 كم/ساعة, ويقابلها قوله تعالى: "فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ"(ص: 36).
ودرجة 2: نسيم خفيف Light breeze سرعته 7-13 كم/ساعة ويمكن الإحساس به على الوجه والشعور بحفيف ورق الشجر, ودرجة 3: نسيم لطيف Gentle breeze سرعته 13-20 كم/ساعة ويجعل أوراق الشجر تتحرك والأعلام ترفرف, ويقابلان قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ" (يونس:22 ), ودرجة 4: نسيم معتدل Moderate breeze سرعته 20-32 كم/ساعة ويجعل الأغصان الصغيرة تتمايل, ويلتقي مع قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ" (الروم: 46), وقوله تعالى: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ" (الحجر:22), ودرجة 5: نسيم منعش Fresh breeze سرعته 32-41 كم/ساعة ويجعل الأشجار الصغيرة تتمايل, ويقابلها قوله تعالى "كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ" (إبراهيم :18), ودرجة 6: نسيم قوي Strong breeze سرعته 41-52 كم/ساعة ويجعل الأغصان الكبيرة تتمايل, ودرجة 7: دون الهبوب Near gale سرعته 52-63 كم/ساعة ويكاد يجعل السير صعبا في مواجهته, ويقابلهما قوله تعالى: "فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ" (الإسراء :69), ودرجة 8: هبوب Gale سرعته 63-76 كم/ساعة ويصعب السير في مواجهته, ودرجة 9: هبوب قوي Strong gale سرعته 76-89 كم/ساعة يجعل الألواح الخشبية تتطاير, ويقابلهما قوله تعالى: "جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ" (يونس :22), ودرجة 10: عاصفة Storm سرعتها 89-104 كم/ساعة تقتلع الأشجار وتتلف بعض المباني, ودرجة 11: عاصفة عنيفة Violent storm سرعتها 104-119 كم/ساعة تسبب تلف شديد للمباني, ويقابلهما قوله تعالى: "وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىَ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ" (الحاقة :6و7), وهذه المدة بالفعل أقصى ما يتوقع في الموطن الواحد, ودرجة 12: إعصار Hurricane سرعته تزيد عن 119 كم/ساعة يسبب دمار متباين الشدة تبعا لسرعته وربما حرائق, ويقابله قوله تعالى: "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت" (البقرة :266), ولا يصدر هذا التوافق العجيب بين التقسيم العلمي المعاصر للرياح وبين أنواعها التي ذكرها القرآن إلا عن علم خاصة أن هذا التنويع مع بيان خصائص كل نوع وفق شدته وآثاره لا تجده في أي كتاب آخر يُنسب للوحي غير هذا الكتاب الكريم.