اللون الأخضر ( لون النباتات والزروع ) :-
نشاهد فى حياتنا اليومية كثيراً من الألوان المختلفة ، لعل أكثرها انتشارا وأعظمها شأناً هو اللون الأخضر الذى يبعث فى نفس الإنسان كثيراً من البهجة والسرور وخصوصاً إذا كان هذا اللون يكسو الأرض فى مساحات شاسعة كما هي الحال فى الحدائق والبساتين و الحقول المترامية الأطراف أو فى الوديان التى تمتد عبر الصحراء حيث تكسوها الأعشاب والنباتات الخضراء بعد هطول الأمطار عليها وهو ما تشير إليه الآية الكريمة التالية : (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة)
ونقرأ قوله تعالي :
[CENTER ALIGN=CENTER])فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً( سورة الأنعام (99)[/CENTER ALIGN]
قيل الخضر ههنا : الزرع الأخضر ، وشجرة خضراء أى غضه ، وأرض خضرة ويخضور كثيرة الخضرة وخضر الزرع خضراً : نعم وأخضره الري.
وأفضل الألوان كلها وأشرفها لون الخضرة وذلك لأمرين : الأمـــر الأول :
هو أن الله سبحانه وتعالي وصف فى كتابه العزيز أهل جنته المخصوصين بتقريبه ومزيته بلباس الثياب الخضر .
فلو كان فى الألوان أفضل من الخضرة لوصفهم الله سبحانه بذلك . الأمر الثاني :
ما فى لون الخضرة من تقوية للنظر والزيادة فى حاسة البصر ، وسبب ذلك فيما يقوله أهل الطب أن اللون الأخضر يجمع الروح الباصر جمعاً رفيقاً مستلذا غير عنيف وإن كان اللون الأسود يجمع الباصر أيضاً لكنه يجمعه بعنف واستكراه على ضد ما يجمعه اللون الأخضر .
يقول تعالى : فأنبتنا به حدائق ذات بهجة النمل آية ( 60 )
يقول صاحب الظلال – رحمه الله – فى تفسير هذه الآية فى الجزء الخامس ص 62252– الطبعة الحادية عشرة لدار الشروق .
حدائق بهيجة ناضرة حية جميلة مفرحة …… ومنظر الحدائق يبعث فى القلب البهجة والنشاط والحيوية . وتأمل هذه البهجة والجمال الناضر والحى الذى يبعثها كفيل بإحياء القلوب ، وتدبر آثار الإبداع فى الحدائق كفيل بتمجيد الصانع الذى أبدع هذا الجمال العجيب .
وإن تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنه أعظم رجال الفنون من البشر . وإن تموج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات فى الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن فى القديم والحديث فضلاً عن معجزة الحياة النامية فى الشجر وهى السر الأكبر الذى يعجز عن فهمه البشر .
ويرجع هذا اللون الأخضر الذى ينتشر فى النباتات على اختلاف أنواعها وأشكالها وأحجامها ( وخصوصاً فى أوراقها الخضراء ) إلى مادة كيميائية معقدة التركيب يطلق عليها علماء النبات اسم اليخضور أو الكلوروفيل (Chlorophyll)
وكان المعتقد فى بادئ الأمر أن الكلوروفيل عبارة عن مادة واحدة ولكن وجد بعد تقدم البحوث النباتية وعمل التحليلات الدقيقة أنها تتركب فى واقع الأمر من أربع مواد مختلطة بعضها ببعض وتلك هى (كلوروفيل أ ) و ( كلوروفيل ب) ولونهما أخضر بالإضافة إلى مادتين أخريين وهما ( الكاروتين ) و(الزانثوفيل ) وهما صبغان نباتيان لونهما أصفر .
إن هذا الكلوروفيل المعقد الذى يغلب عليه اللون الأخضر هو أحد المعجزات الحقيقية التى أوجدها الله سبحانه وتعالى فى دنيا النبات إذ أنه يلعب فى تكوين الأغذية النباتية دوراً يفوق كل خيال ، فالنبات على سبيل المثال يمتص من التربة التى يترعرع فيها كمية من الماء كما يمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء الجوى الذى يحيط بنا فى كل مكان .
ومن هاتين المادتين البسيطتين ( الماء وثاني أكسيد الكربون ) يستطيع الكلوروفيل إنتاج المواد الكربوهيدراتية البسيطة أو المعقدة مثل الأنواع المختلفة من السكر ومنها سكر الجلوكوز وسكر الفواكه وسكر القصب وسكر البنجر وأيضاً الأنواع المختلفة من النشا مثل النشا الموجود فى حبوب القمح أو الذرة أو الأرز أو الشوفان أو فى بعض الأجزاء النباتية الأخرى مثل درنات البطاطا والبطاطس وغيرها .
ولا يتم إنتاج مثل هذه المواد الغذائية الهامة إلا فى وجود الأشعة الضوئية ، ويطلق على تلك العملية اسم عملية التمثيل الضوئي Photosynthesis)) .
ويمكن تلخيص تلك العملية فىالمعادلة البسيطة التالية . ثاني أكسيد الكربون + ماء واد كربوهيدراتية مواد كربوهيدراتية + أكسجين ينتج عنها مركب سكري +أوكسجين
ويعيش الإنسان وكذلك جميع الحيوانات التى تدب على سطح الأرض على تلك المنتجات النباتية التى لا يستطيع أى منها إنتاجها من المواد الخام على الإطلاق كما تفعل النباتات الخضراء ، وبذلك يكون الكلوروفيل هو المادة المنتجة لجميع الأغذية النباتية أو الحيوانية على حدٍ سواء .
وبالإضافة إلى تلك المادة الخضراء ( الكلوروفيل ) تحتوى النباتات على مواد أخري كثيرة لها ألوان متباينة ومنها الصبغ الأزرق والصبغ الأصفر والصبغ الأحمر والصبغ البني وغيرها .
وتشاهد مثل تلك الألوان فى كثير من الأجزاء النباتية وخصوصاً الأزهار والثمار ، كما يتضح من الآية الكريمة : - فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها سورة فاطر آيه ( 27)
اللون الأصفر:
ورد فى القرآن الكريم السرور - سرور الإنسان - عقب ذكر اللون الأصفر الفاقع على جلد بقرة . قال تعالي :- )قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين(سورة البقرة آيه (69).
قيل : (فاقع لونها ) شديد الصفرة تكاد من صفرتها تبيض وقيل صافية اللون ، وهي تسر الناظرين لأنك إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .
وعن اللون الأصفر بصفة عامة وكونه باعثاً للسرور، قال إبن جرير عن ابن عباس : " من لبس نعلا صفراء لم يزل فى سرور ما دام لابسها "
ويرفض المفسرون أن يفهم قول القرآن ( فاقع لونها ) بمعني تسود من صفرتها ويجعلونه قولاً غريبا.
ويري القرطبي أنه لا يستعمل مجازاً إلا فى الإبل .
قال تعالي (كأنه جمالة صفر)سورة المرسلات آيه ( 33)
وذلك أن السود من الإبل سوادها صفرة ، ولو أراد سبحانه وتعالي السواد فى حديثة عن البقرة - لما أكده بالفقوع فالفقوع نعت أو صفة مختص بالصفرة ولا يوصف به السواد تقول العرب: أسود حالك وحلكوك ودجوجي غربيب وأحمر قاني وأخضرناضر وأبيض ناصع وساطع وأصفر فاقع .
ويقول الكسائي . فقع لونها إذا خلصت صفرته .
وقد ذكر القرطبي :
قال ابن عباس "الصفرة تسر النفس" ، وحض على لباس النعال الصفر حكاه عنه النقاش ، وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه : من لبس نعلي جلد أصفر قل همه لأن الله تعالي يقول : )صفراء فاقع لونها تسر الناظرين (حكاه عن الثعلبي
ونهي ابن الزبير ومحمد بن أبي كثير عن لباس النعال السود لأنها تهم ( أي تبعث الهم فى النفس )
ولا غرابة فى نهي ابن الزبير وابن كثير عن لبس النعال السوداء ولا فى حث ابن عباس وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه على لبس النعل الأصفر ، فقد غدت دراسة الألوان والتأثير الخاص بكل لون على النفس ، ودراسة وتشخيص النفوس من واقع اهتمامها الفعلي وإحساسها بالألوان وحب ألوان معينة غدا هذا أمراً معروفا فى عصرنا ، والمحك عند القدماء والمحدثين كليهما هو التجربة والنظر أحوال النفس ونفوس الآخرين فى حالات متعددة ثم تقرير نتائج وأحكام ، فلا يجب أن نرفض حكماً قديماً لمجرد كونه قديماً أو نصفق لجديد لمجرد كونه جديداً ، وإنما نعود - مثلاً - إلي تجاربنا الخاصة ونحكم عقولنا ونحتكم إلى أذواقنا .
قال لبيد فى الأصفر الفاقع:
سدم قديم عهده بأنيسه من بين أصفر فاقع ودخان
لقد كان أسلافنا أهل ذوق رفيع ، فها هو الشيخ شرف الدين أبو نصر محمد بن أبي الفتوح البغدادي وشهرته ( ابن المرة ) فى كتابه ( مفرح النفس ) وفي باب جعل له عنواناً : فى اللذة المكتسبة للنفس عن طريق حاسة البصر يقول : ( النفس تبتهج بما كان من الأجسام له اللون الأحمر والأخضر والأصفر إما بسيطاً أو مركباً بعضها من بعض فنظر هذه يوجب راحة النفس ولذة القلب وسرور العقل ونشاط الذهن وتوفر القوي وانبساط الروح …… وأنظر إلى حكمته - سبحانه - كيف جعل هذه الألوان الأربعة المذكورة - أعني الأصفر والأبيض والأحمر والأخضر فى أعظم الأجساد وأشرفها وأبهجها وأحسنها منظراً وهي الذهب الأصفر واللؤلؤ الأبيض والزمرد الأخضر والياقوت الأحمر ، ولم يجعل شيئاً من الأحجار أعز منها ولا أشرف ، وجعل غاية كل واحد منها أن يكون بهذا اللون المذكور. فتبارك الله أحسن الخالقين عسي الله أن ينفعنا بما قرأنا