أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتديات 56 نيوز، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





09-07-2009 08:24 مساءً
مشاهدة مشاركة منفردة [43]
love4u
عضو
rating
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 2009-06-18
رقم العضوية : 7099
المشاركات : 1937
الدولة : ام الدنيا
الجنس : ذكر
قوة السمعة : 1
  
look/images/icons/i1.gif رجا ل حول الرسول
الخباب بن الأرت

لقد كان أبو سفيان في بادئ الأمر يدفع أبا جهل وأمثاله إلى الحملات القاسية على المستضعفين من المسلمين، وإذا ما استحكم الإسلام، وأصبح في منعة من هؤلاء رسم هذا الطاغية مخططاً بإثارة النعرات الطبقية بين المسلمين.
فلقد التقى مثلاً ـ ببعض المسلمين الذين دخلوا الإسلام كرهاً وحفظاً لمصالحهم ـ فقال لهم بكل خبث ومكر: أرأيتم كيف يعمد صاحبكم محمد إلى تحطيم معنوياتكم، وتذويب شخصياتكم بحشركم مع الضعفاء والأذلاء والعبيد، أمثال: عمار، وبلال، والخباب وغيرهم.
وكان لحديثه في نفوسهم استجابة ووقع، فهرعوا إلى النبي فوجدوه جالساً مع ضعفاء المسلمين، وطافت الصورة القاتمة التي زرعها في أذهانهم صخر بن حرب فانفجروا مع الرسول قائلين: إن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب قعوداً مع هذه العبيد، فإذا جئناك، فأقمهم عنا.. رضخ النبي على مضض وقال: نعم. قالوا له: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعى بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب ونزل جبرئيل يبلغ النبي الآية الكريمة: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء، فتطردهم فتكون من الظالمين).
فرمى رسول الله بالصحيفة، ودعا هؤلاء الضعفاء من المؤمنين، فقال لهم: (السلام عليكم).. فدنوا منه حتى وضعوا ركبهم على ركبته.. وكان النبي يجلس معهم، برهة من الزمن فيتركهم فأنزل الله تعالى الآية: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم...).. فكان بعد ذلك لا يفارقهم، حتى يغادروا مجلسه.
من هؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآيات الكريمة.. الخباب ابن الأرت أبو عبدالله من بني تميم كان قيناً يعمل السيوف في الجاهلية، وكان حليفاً لبني زهرة، أصابه سباء في الجاهلية فبيع بمكة، واشترته أم أنمار بنت سباع الخزاعية، وأعتقته بعد زمان.
وفي بادئ أمره بلغ مسمعه نبأ الدعوة، فهشّ قلبه لها وتصيد أخبارها عن محمد ما جلب قلبه له، وبحث عن موضع لقياه فعرف أنه في دار الأرقم، فانساب إليه سراً ليسمع من الداعي مقالته، وجلس إلى رسول الله فأعجب بحديثه، ولم ير في هذه الشخصية إلا الإنسانية الكاملة، والمنقذ الذي يقصد الناس ليخرجهم من ضلالتهم، ولم يعرف من الآيات الكريمة التي تلاها على أصحابه إلا أنها كانت تجلي قلبه من الظلام الدامس الذي كان يرزح فيه.. ولم يضع رجليه خارج دار الأرقم إلا ويرى نفسه مشدوداً إليها، لا يستطيع الانفصال عنها، ولا يسأم من روادها حديثهم العذب وجلستهم المحببة.
ويعاود الزيارة مرة بعد أخرى، وكلما امتد به الوقت، كان يصهره محمد في إيمانه، حتى بات يشعر في نفسه ـ وهو يقدم على رسول الله مسلماً ـ انه غير الذي كان بالأمس، سمواً لا يطاوله سمو، وروحية دونها كل روحية.
ويكون سادس المسلمين، ويوسع من تلك الحلقة المؤمنة بإسلامه أفقاً جديداً يلمع مع تاريخ الانسانية على مر الأيام ويصبح ظلاً للنبي يلاحقه أينما يكون، إلا عند الضرورات.
وتسرب الخبر إلى الطغمة المناوئة. إن الخباب بن الأرث صبا إلى الدين الجديد وإذا كان من أبناء الذوات من قريش وغيرها في مأمن من غضبها وعذابها. فهؤلاء الضعفاء لم يكن لهم سند يخشى، وقريب يمنع، وجاه يصد.
وينعقد مجلس من أندية قريش، ويدخله صخر بن حرب متجهم الوجه، على سحنته جبل من هم، وعلى كاهله ليل من سهاد.
ويتبارى المستفسرون عن وضعه، وماذا ألم به، فجعله كتلة من الألم.. ويتصنع الغيظ، ويبعثر الكلمات على شدقيه، ويجهد في إخراج القول: لا أستطيع الكلام يا قوم، وخير لي أن أسكت، إذا كانت العرب لا غيرة لها على آلهتها، شاهت الوجوه ذلا..
ولم تكن الكلمات النارية الجارحة التي قذفها أبو سفيان في وجوه الجالسين إلا إيذاناً بيوم أسود ينصب على هؤلاء المساكين الذين حملوا الدعوة عقيدة ورسالة في أعناقهم.. وساد الهرج من كل جانب، وتعالى الصراخ يشق آفاق المجلس: لا تقل هكذا يا أبا سفيان، سوف نسقي سيوفنا من دماء الخارجين على ديننا..
ويحاول زعيم الطغمة أن يضرم النار على أشدها، فالتفت إليهم قائلاً ـ وهو يدفع الحسرة تلو الحسرة، والآهة بعد الآهة ـ : كفى.. كفى، فلا فائدة من مقالتكم، وحماستكم فقد انتهى الأمر بالقلة من عبيدنا وخدمنا أن ننحاز إلى محمد وهي لا تخشى قوتنا، ولا تهاب سطوتنا.. وا مجداه.. لقد ماتت أيامكم على أقدام يتيم بني هاشم، إذهبوا إلى بيوتكم واحتجبوا مع نسائكم، فهو خير لكم من قبول هذا الهوان..
وماج القوم، فقد أرعبتهم هذه الكلمات، وأضرمت في نفوسهم العصبية الجاهلية.. وقفز من جوانب الندوة من طاشت الدنيا في عيونهم، وكان يتقدمهم أبو جهل، وهم يصرخون: اليوم.. اليوم.. الساعة.. الساعة.. ولنا مع هؤلاء حساب وحساب.
وقرب دار الأرقم، وقفت العصابة تنتظر أول من يخرج عليها من هذه الدار لتصفي حسابها معه.. وما هي إلا برهة من الوقت، حتى لمحت شخصاً يتسلل منها، واستعد أبو جهل ليطبق عليه، لكنه تراجع خائباً عندما عرف انه مصعب بن عمير، فهو من شخصيات بني عبد الدار، ويخشى أن يثير عليه قبيلته، حتى وإن كان ولدهم الخارج على آلهة قريش. والتفت إلى جلاوزته يأمرهم أن لا يمسه أحد بسوء.. ومر مصعب بن عمير بسلام، وهو يسخر منهم، ويتهكم عليهم.
ودارت عقارب الوقت سراعاً، وفي أثنائها تسلل آخر منها واستعد أبو جهل للهجوم، وما إن اقترب منه حتى أطبق عليه وعلى ضوء القمر الشاحب عرفه الخباب بن الارث، وكاد يطير من الفرح، إنه بغيته التي يترقبها، وصاح بجلاوزته: إنه هو واللات، جروه من شعره، حليف بني زهرة أمره غير مجهد.
وجرّ الخباب إلى مجلس السمر، وكان أبو سفيان بعد لم يغادره، وبدأ في تعذيبه، يتفنن في ذلك، ويتنوع في أذاه وكان الرجل المؤمن كلما ألحّ القوم في تعذيبه، ازداد ثباتاً وصموداً..
ولم تجد كل هذه الأساليب في قمع الدعوة، ولا أوقف حماس المسلمين عذاب أبي سفيان وطغمته الفاسدة، رغم انه كان قاسياً ومؤلماً، ويكفي ان الخباب يحدثنا عما لقيه، فيقول:
والله ما أعلم أحداً لقي من البلاء ما لقيت، فقد كويت في بطني سبع كيات مرة واحدة، ولولا أن النبي نهى أن يتمنى أحد الموت، لتمنيته..
ولم يكن هذا فحسب، فقد أغرى أبو سفيان وأمثاله مولاته أم أغاربه، وكانت تكر أن يجلس إليه رسول الله، فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها على رأسها. فشكا ذلك للنبي فدعا عليها، فقال: (أللهم انصر خباباً) فاشتكت من رأسها وكانت تعوي مثل الكلاب، فقيل لها اكتوي، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها.
وكان المشركون يحقدون على الأبطال من الصحابة لصمودهم وعدم تراجعهم عن عقيدتهم، مع كل ما يعانون من أذى وعذاب.
ولقد سأله مرة عمر بن الخطاب عن أشد ما قاساه من المشركين، فكشف عن ظهره، فقال عمر: ما رأيت كاليوم. فقال: أوقدت لي نار، وسحبت عليها، فما أطفأها إلا شحم ظهري..
وترك الخباب بعد أن يأس أبو سفيان من ردعه، وعاد لحبيبه وسيده رسول الله قوي القلب، ثابت الجنان، علمته الأيام كيف يشد عزمه على عقيدته، وذللت له الحقيقة مكانته السامية في نفس النبي، وكان هذا ما جعل الخباب يتفانى في سبيل الدعوة.
وأوكل إليه النبي مهمة خطيرة في بدء الدعوة.. وهي تعليم بعض المسلمين القرآن، ممن لا تساعدهم ظروفهم في الذهاب إلى النبي. وكادت هذه المهمة تنتهي به إلى الموت ولكن الخباب لا يهاب كل شيء في سبيل عقيدته.
ويتحدث المتحدثون أنه كاد يقتل بسيف عمر بسبب مهمته. فقد كان عمر بن الخطاب ـ في أول أمره، وقبل أن يسلم ـ شديداً على المسلمين، وفيه من الغلظة والقسوة ما ميزته عن غيره عنفاً، وشدة..
وقد خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد رسول الله (ص) ورهطاً من أصحابه، قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قرابة أربعين نفر، من رجال ونساء، ممن كان أقام مع رسول الله (ص) بمكة، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبدالله، من بني عدي ـ وكان مسلماً يكتم غسلامه خشية من قبيلته ـ ، فقال له: أين تريد يا عمر؟. فقال: أريد محمداً هذا الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله وأريح العرب من شره، فقال نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمداً! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، قال: وأي أهل بيتي؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمداً على دينه فعليك بهما، قال: فرجع عمر عامداً إلى أخته وختنه، وكان عندهما الخباب بن الأرت ومعه صحيفة فيها سورة (طه) يقرئهما ـ وكان النبي قد كلفه أن يذهب إليهما في كل يوم يقرئهما القرآن ت فلما سمعوا صوت عمر، غيبت فاطمة الخباب في مخدع لها، وأخذت الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وكان عمر قد سمع ـ حين دنا من الباب قراءة الخباب عليهما ـ فلما دخل قال: ما هذه الهيمنة (صوت، كلام لا يفهم)؟ قالا له: ما سمعت شيئاً، قال: بلى، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه، ولم يتمكن من ضبط أعصابه، بل أخذ ابن عمه سعيد وضرب به الأرض، فقامت إليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها فضرها فشجها ولما وصل الأمر إلى هذا الحد، قالا له: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك، وأثر في عمر منظر الدم الذي جرى من أخته، وندم، وقال: أعطوني هذه الصحيفة أنظر ما فيها، فامتنعت أخته من ذلك خشية أن يمزقها، فأعطاها المواثيق، وحلف بآلهته أنه ليردها لها، فخرج إليه الخباب من المخدع، فحمق فيه، ثم عاد إلى قراءة الصحيفة فما زال به الخباب يحدثه ويقنعه حتى اقتنع بالاسلام.
وبعد ثلاث عشر سنة قضاها النبي (ص) في مكة، وهو يعاني من ظلم المشركين وجورهم ما اضطره إلى الانتقال للمدينة ليكون هو وأصحابه في مجنب من هذا الخطر.
كانت السنين الثلاث الأولى للدعوة لا تتعدى الأفراد الذين آمنوا بالرسالة وبصورة خفية، وحتى إذا أطلت السنة الرابعة أعلن الرسول الدعوة، وأخذ يدعو الناس إلى الاسلام جهراً واستمر على ذلك عشر سنين يوافي الموسم كل عام، يتبع الحجاج في منازلهم بمنى، والموقف يسأل عن القبائل، ويأتي إليهم يعرض عليهم الاسلام، لا يمنعه عنف القوم ولا يرده أذى قريش.
يقول الراوي: وخلف النبي يتتبع أثره رجل أحول وضيء له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله (ص) من قوله، قال ذلك الرجل: يا بني فلان، إن هذا يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، وتؤمنوا بما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه، ولا تسمعوا منه قولاً.
قال الراوي: فقلت لأبي: يا أبت، من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول؟ قال: هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب أبو لهب..
لكن هذا وأمثال هذا لم يثن النبي عن عزمه في تبليغ رسالته المقدسة فقد استمر، وكلما اجتمع الناس بالموسم أتاهم يدعوهم إلى الله، وإلى الاسلام، ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة، وهو لا يسمع بقادم يصل مكة من العرب، له اسم وشرف إلا تصدى له، ويدعوه إلى الله والهداية والرحمة ولا يهمه ما يناله من الأذى في سبيل ذلك، حتى قال هو (ص: (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت).
وكان الخباب بن الأرث من الأصحاب الذين قل أن يفارقوا الرسول، صابراً على كل ما يلاقيه من ضيم، مؤمناً بعقيدته إلى درجة الفناء فيها.
ولما تفاقم الأمر، وازداد الضغط على محمد وأصحابه، فقد اضطر النبي أن يطلب من المسلمين أن يهاجروا من مكة إلى المدينة.. وتسلل المؤمنون في ظلام الليل من مكة تاركين البلد الذي قضوا فيه وطراً من حياتهم سلامة على أنفسهم، إلى المدينة حيث الأمان، والأمل المشرق.
وكان الخباب من المهاجرين الأوائل، ولم تضق يثرب بهذه الصفوة المنتقلة إلى رحابها، فقد كانت القاعدة الوفية للدعوة الإسلامية، وفيها استمد الدين شموخه، ومنها امتد إلى الجزيرة وفي ربوعها عاش الصفوة في مأمن..
وبقي الخباب جندياً إلى جنب النبي في كل معركة، ومعلماً وفياً للدين كلما انتدبه النبي لمهمة.
وإذا وفي الخباب لمحمد، فقد كان وفياً لعلي من بعده، بحيث انتقل معه إلى الكوفة، ولم يشأ مفارقته، وحتى في معاركه عدا صفين فقد تخلف لمرضه.
وفي عام 37هـ لبى الصحابي الجليل دعوة الخالق العظيم.. ويقف علي (ع) على قبره، وهو في ألم شديد، وتأثر عميق. وانحدرت الكلمات من أعماق الإمام تؤبن هذه الشخصية الفذة.
(رحم الله خباباً، لقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلى في جسمه أحوالاً، ولن يضيع أجر من أحسن عملاً.. طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف ورضي عن الله عز وجل).
وماجت دموع الوفاء في عيني الإمام على هذا الصحابي الذي عانى في سبيل عقيدته من ظلم أبي سفيان وحقد طغمته ما يجزع منه الوصف، وخلد له ذكراً مشرقاً مهماً امتدت الأيام بعمرها.















الساعة الآن 04:20 PM