انتشر عبر الإنترنت قصة الملحد الروسي الذي قال :
لقد كنت في مهمة في سيبيريا و عند الحفر رأيت منظرا تمنيت أن أقطع رقبتي قبل رؤيته رأيت نساءا ورجالا عراة يحترقون في النار و أصواتهم مرعبة و أشكالهم أشد رعبا !!
وكان ذلك عندما اخترقت آلة الحفر الخاصة بتفحص طبقات الأرض فجوة في باطن الأرض فخرجت حرارة شديدة ثم كان هذا الصوت والمشهد المرعب...
سمعنا في أحد مواقع الانترنت أن رجلا ملحدا سمع اصوات معذبين في القبر ، وهذه الاصوات مرعبة جدا ، كما سمعناها في الشريط ، والسؤال هو هل يمكن سماع عذاب القبر؟!! ، نرجو الايضاح في أسرع وقت ممكن ، فنحن في حيرة من أمرنا !!
الجواب ..
أصــوات المعذبين
سلمان بن فهد العودة
22/3/1426
01/05/2005
تتداول المواقع الإلكترونية والصوتية شريطاً فيه تسجيل أصوات، يقال بأن علماء جيولوجيا قاموا بتسجيله في صحراء سيبيريا، على أنه أصوات رجال ونساء يعذبون في قبورهم، التقطها فريق روسي بينما كان يسجل أصوات الذبذبات الحرارية تحت الأرض.
والذي أختاره عدم التسليم لهذه الدعوى للأسباب التالية:
1- عذاب القبر حق، ثابت بالكتاب والسنة، وقد تكلم المصنفون في العقائد في هذا، وعنوا بسرد أدلته الصريحة، وغير الصريحة والرد على منكريه.
وهو من علم الغيب، وليس من علم الشهادة، وإذا سلمنا بأن المسموع هو أصوات المعذبين، فقد صار يقيناً لا يختلف الناس في الإيمان به، وزالت الحكمة في ابتلاء الناس وامتحانهم بالإيمان بالغيب.
وما ذكره بعض العلماء كابن أبي الدنيا والسيوطي، وذكر طرفاً منه ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من المشاهدات فما صحّ منها فهي حالات فردية، تتعلق بمن رآها أو سمعها، وليست ظاهرة أو قضية عامة كحال الشريط المذكور، على أن الحجة في مسائل الشريعة عند الاختلاف هي للنص الشرعي.
2- هذه دعوى، لكل أحد الحق في ردها، إلا بدليل، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ سمع وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَدْرُونَ مَا هَذَا)؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: (هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حتى انْتَهَى إلَى قَعْرِهَا) رواه مسلم وغيره.
فلم يحر الصحابة جواباً، ولم يقولوا شيئاً، بل وكلوا الأمر إلى عالمه، حتى أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن أين لنا المصدر الذي نعتمد عليه بعد انقطاع الوحي، ووفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لنقول أنها أصوات معذبين؟
3- ورد في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّي وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ. - قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ). هذا لفظ البخاري ومسلم بنحوه.
وهذا دليل على أن الأصل أن الإنس والجن لا يسمعون صياح المعذبين ولا يحسون به.
4- يقول تعالى : "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا"[مريم:98].قال ابن عباس وأبو العالية وعكرمة والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك يعني: صوتاً. والركز في أصل اللغة هو الصوت الخفي.
وهذه الآية تدل بظاهرها على أنه صلى الله عليه وسلم، ومن يصلح له الخطاب لا يحس بهؤلاء الذين أهلكوا، ولا يسمع لهم ركزا.
5- العبث بالأصوات والصور أصبح اليوم أمراً في غاية السهولة، وفي هذا نوع من تعريض ثقة الناس بالدين وأهله للاهتزاز.وكم سمعنا من يدعي في شأن القبور وأصحابها ما يدعي، من أنه كشف القبر لعارض، ثم وجد النار والحريق، أو صُرف وجه المقبور عن القبلة أو ما شابه هذا...
وبتتبع الأسانيد يتبين أن فيها مجاهيل أو ضعفاء أو وضّاعين لا يوثق بهم ولا بنقلهم، وقد تتردد مثل هذه الحكايات على ألسنة الوعاظ دون تحرّ أو تثبت.
وكم من قبور كشفت بسبب السيل أو غيره فلم يظهر من حال أهلها ونعيمهم أو عذابهم شيء، وذلك -والله أعلم-؛ لأن أمر البرزخ والقبر متصل بعالم الآخرة، ولا تطبق عليه قوانين المادة والحس، فيكون صاحب القبر منعماً أو معذباً، ولا يدري من حوله بما هو عليه.
6- قد يرى المرء رؤيا بشأن أحد بعينه، تكون أمارة خير وبشرى، أو تكون بضد ذلك، والرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة، فهي كشف من عالم الغيب، ولكن لا يجزم بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق في شأن التعبير: أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً.
وكان الأمام أحمد يقول: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
وقد تكون عبرة لرائيها، لكن ليس لها صفة العموم ولا يتعبد سائر الناس بتصديقها والإيمان بها، إذ قد لا يعلم أكثرهم حال الرائي، وصدقه وأمانته.
7- يقول تعالى : "فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ"[المرسلات:50]. وكفى بهذا القرآن حجة وعبرة، وحسبنا ما صح من خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، والأحسن أن تحرك مشاعر الناس وعواطفهم بمواعظ الكتاب الكريم، وقوارعه وأخباره، بدلاً من هذه الظنون التي لا تثريب على أحد إن ردها أو كذبها؛ لأنه ليس عليها أثارة من علم الشريعة.
إنني أهيب بالعقل الإسلامي أن يفرق بين الغيب والأسطورة، فالغيب عالم آمنّا به بخبر الصادق، والعقل لا ينكره ولا يحيله، بل يشهد له في الجملة، أما الأسطورة فهي خرافة لا يشهد لها عقل ولا نقل.
والمؤمن وإن كان يؤمن بالغيب إلا أنه لا يبحر إلى ما لا يدل عليه دليل، ولذا لما قال كفار مكة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: إن صاحبك يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء... قال: ولئن كان قاله لقد صدق.
فسمي بالصديق من يومئذ.
فتأمل كيف علّق التصديق بأن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم -قاله فعلاً؛ لئلا يكون الناقل متقولاً عليه.
وأن يكون ثمة من تأثر بالشريط أو انتفع به فهذا لا يمنع من الحديث حول مصداقيته، وقد يقع أن يتوب عاصٍ بسبب حديث موضوع، فتحمد توبته، ويبين حال الحديث والله أعلم.