ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس، وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم؛ ليحذروه، ولا يتبعوا طرائقه، فقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ} وهذا كقوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنِّى خَـٰلِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ }
[الحجر: 28-29] وذلك أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام بيده من طين لازب، وصوره بشراً سوياً، ونفخ فيه من روحه، أمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لشأن الله تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم، وأطاعوا، إلا إبليس لم يكن من الساجدين، واختيار ابن جرير، أن المراد بذلك كله آدم عليه السلام.
وقال سفيان الثوري عن الأعمش، عن منهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ} قال: خلقوا في أصلاب الرجال، وصوروا في أرحام النساء، رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه، ونقل ابن جرير عن بعض السلف أيضاً: أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم: الذرية.
وقال الربيع بن أنس والسدي وقتادة والضحاك في هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ} أي: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية، وهذا فيه نظر؛ لأنه قال بعد ذلك: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ} فدل على أن المراد بذلك آدم، وإنما قيل ذلك بالجمع؛ لأنه أبو البشر، كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ }
[البقرة: 57] والمراد آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى، ولكن لما كان ذلك منة على الآباء الذين هم أصل، صار كأنه واقع على الأبناء، وهذا بخلاف قوله:
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ }
[المؤمنون: 12] الآية، فإن المراد منه آدم المخلوق من السلالة، وذريته مخلوقون من نطفة، وصح هذا؛ لأن المراد من خلقنا الإنسان: الجنس، لا معيناً، والله أعلم.