قال صاحبي و هو يفرك يديه ارتياحاً و يبتسم ابتسامة خبيثة تبدي نواجذه و قد لمعت عيناه بذلك البريق الذي يبدو في وجه الملاكم حينما يتأهب لتوجيه ضربة قاضية
- ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة .. ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة و تتمسحون به وتطوفون حوله ، و رجم الشيطان .. و الهرولة بين الصفا و المروة ، و تقبيل الحجر الأسود و حكاية السبع طوفات و السبع رجمات و السبع هرولات و هي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة ، و ثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم .. لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة و لكن لا حياء في العلم
وراح ينفث دخان سيجارته ببطء و يراقبني من وراء نظارته
قلت في هدوء : - ألا تلاحظ معي أنت أيضاً أن في قوانين المادة التي درستها أن الأصغر يطوف حول الأكبر ، الإلكترون في الذرة يدور حول النواة ، و القمر حول الأرض ، و الأرض حول الشمس ، و الشمس حول المجرة ، و المجرة حول مجرة أكبر ، إلى أن نصل إلى " الأكبر مطلقاً " و هو الله .. ألا نقول " الله أكبر " .. أي أكبر من كل شيء
و أنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية رغم أنفك و لا تملك إلا أن تطوف فلا شيء ثابت في الكون إلا الله هو الصمد الصامد الساكن و الكل في حركة حوله .. و هذا هو قانون الأصغر و الأكبر الذي تعلمته في الفيزياء أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله و هو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزاً و بيتاً لله
ألا تطوفون أنتم حول رجل محنط في الكرملين تعظمونه و تقولون أنه أفاد البشرية ، و لو عرفتم لشكسبير قبراً لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد عليه الصلاة و السلام .. ألا تضعون باقة ورد على نصب حجري و تقولون أنه يرمز للجندي المجهول فلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجراً على نصب رمزي نقول أنه يرمز إلى الشيطان
ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتك ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد و هي نفس الرحلة الرمزية من الصفا " الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم " إلى المروة و هي النبع الذي يرمز إلى الحياة و الوجود
من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات
ألا ترى في مناسك الحج تلخيصاً رمزياً عميقاً لكل هذه الأسرار
و رقم 7 الذي تسخر منه .. دعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7 ، صول ، لا ، سي ، دو ، ري ، مي ، فا .. ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديد .. فلا نجد 8 و إنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جرا ، و كذلك درجات الطيف الضوئي 7 و كذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في نطاقات 7 و الجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 و إذا ولد قبل ذلك يموت و أيام الأسبوع عندنا و عند جميع أفراد الجنس البشري 7 وضعوها كذلك دون أن يجلسوا و يتفقوا
ألا يدل ذلك على شيء .. أم أن كل هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلسمية ؟ ألا تقبل خطاباً من حبيبتك .. هل أنت وثني ؟! فلماذا تلومنا إذا قبلنا ذلك الحجر الأسود الذي حمله نبينا محمد عليه الصلاة و السلام في ثوبه و قبله .
لا وثنية في ذلك بالمرة لأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها .. و إنما نحو المعاني العميقة و الرموز و الذكريات
إن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر و بعث المشاعر و إثارة التقوى في القلب
أما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم و نشترط ألا يكون مخيطاً فهو رمز للخروج من زينة الدنيا و للتجرد التام أمام حضرة الخالق .. تماماً كما نأتي إلى الدنيا في اللفة و نخرج من الدنيا في لفة و ندخل القبر في لفة .. ألا تشترطون أنتم لبس البدل الرسمية لمقابلة الملك ؟ و نحن نقول : إنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا التجرد و خلع جميع الزينة لأنه أعظم من جميع الملوك و لأنه لا يصلح في الوقفة أمامه إلا التواضع التام و التجرد .. و لأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني و الفقير و المهراجا و المليونير أمام الله فيه معنى آخر للأخوة رغم تفاوت المراتب و الثروات
و الحج عندنا اجتماع عظيم و مؤتمر سنوي .. و مثله صلاة الجمعة و هي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع
هي كلها معان جميلة لمن يفكر و يتأمل .. و هي أبعد ما تكون عن الوثنية
و لو وقفت معي في عرفة بين عدة ملايين يقولون الله أكبر و يتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة و يهتفون لبيك اللهم لبيك و يبكون و يذوبون شوقاً و حباً – لبكيت أنت أيضاً دون أن تدري و تذوب في الجمع الغفير من الخلق .. و أحسست بذلك الفناء و الخشوع أمام الإله العظيم مالك الملك الذي بيده مقاليد كل شيء
موضوع جميل جدا و الكلام جميل اوي
بس المهم الشخص يكون لبق و يقدر يرد بطريقة منطقية مش مجرد كلام هما مش يفهموه و يبقي الفكرة ان المسلمين مش فاهمين دينهم و مسيرين دون اشغال للعقل و انما عن اقتناع و منطق
شكرا على الموضوع
توقيع :rose
Living in the past causes you to miss out on the present. Life is too short to let it pass you by.