المعظم يعرفها حتى لو لم يروها، أو يقفوا الى جانبها لرمي قطعة صغيرة من النقود المعدنية، لتحقيق أمنية ما أو حلم يراود المخيلة. لكن هل نعرف جميعاً قصتها، وكيف بنيت، ومن بناها، وبأمر مَن؟
تعتبر Fontana De Trevi أو نافورة تريفي، كما نسميها بالعربية، من أشهر الأماكن السياحية في روما. وإذا كان عدد زوار المدينة في العام الواحد اثني عشر مليون سائح من كافة أنحاء العالم بحسب الإحصاءات الرسمية. فيمكن القول إن زوار هذه النافورة قد يكون الضعف، إذ يندر أن يزورها السائح مرة واحدة في حياته. فهي قلب المدينة وغالباً ما تتم زيارتها مرة ثانية وثالثة عن طريق الصدفة، فالتجول في الأزقة التي أكثر ما تشبه المتاهات في قلب المدينة يأخذ التائه من دون أن يدري إليها. مع ذلك فحين الوصول إليها ولو بعد ساعة من زيارتها لا بد من إعادة النظر إليها مرة ثانية والتمعن بمنظر المياه الخارجة من قلب المبنى الأنيق الذي شيد في القرن الثامن عشر. ولا ضير بإعادة التمني مرة ثانية ورمي قطعة معدنية في بركتها التي يقول القائمون عليها إن كل ما يرمى من أموال فيها يتم جمعه أسبوعيا ليذهب الى صندوق خاص بالصليب الأحمر الدولي. إذاً طالب الأمنية يعرف أن أمواله التي يرميها لتحقيق أمنيته تذهب الى مؤسسة خيرية تعنى بتحقيق أمنيات المرضى بالشفاء.
عام 1762 وبأمر من أحد البابوات باشر المهندس نيكولو سلافي بناءها على بقعة صخرية يقع فيها نبع ماء غزير هو نبع trevicommandée، ويشير الاسم تريفي trevi الى العذرية. فقد كانت بنات روما في ذلك الزمان، يأتين الى هذا النبع لتمني الزواج وأيضاً كانت تقصده النساء من أجل الطلب وتمني نعمة الأمومة. وعلى هذا فقد كان للنبع قبل أن تبنى هذه النافورة أساطير تحاك حول تحقيق الأمنيات. لكن القصة الأخرى هي قصة العذراوات الثلاث الموجودات في الأساطير اللاتينية ويرمزن الى الخصوبة والنقاء وتعتبر هذه الأسطورة الأكثر انتشارا في معظم المدن الإيطالية وحيث توجد نافورة مياه
بنيت النافورة أسفل مبنى ضخم هو قصر يمثل المجد الهندسي والثقافي والمهني لروما في العصور الوسطى. وهو من أبدع القصور في روما اليوم، لكن غير مسموح للسياح بزيارته من الداخل على الإطلاق، بل فقط التمعن بمنظره الخارجي البديع والتفكير بالقصر الذي بني على نبع ماء وعلى قناة رومانية لجر المياه من الينابيع المحيطة والكثيرة الوجود في روما. أما رمزية النافورة والأشكال التي تحملها فمعانيها تدل على الخير والجمال والحق. ويمثل وسط النافورة تمثال نبتون الذي يقف على عربة يجرها حصانان وتحيط بها العذراوات الثلاث، فيما البركة التي يصب فيها الماء الغزير تمثل المحيطات ودائرتها البيضاوية تمثل الفصول الأربعة في تقلبها وتغير أحوال العالم.
لا ندري بالتحديد كم مليونا من الناس رموا أمنياتهم في قلب البركة التي يتم تنظيفها أسبوعياً كل ليلة اثنين، حيث يتحول لونها الى الأحمر بسبب كثرة ما يرمى بها من أمنيات. غير أن الأمنية الأولى التي تكون خاصة تلحق بأمنية أخرى وهي العودة الى المكان مرة ثانية إذا ما تحققت الأمنية الأولى. كم من شخص عاد الى المكان للشكر لا نعرف، غير أن ما نعرفه أن هذه النافورة قطعة هندسية فريدة منحوتة في قلب المدينة وكل زاوية فيها عبارة عن متحف صغير.