الضحك يقوي المناعة ينصح الأطباء بالإكثار من الضحك الذى يؤدى إلى الشعور بالحرية والراحة النفسية والانطلاق
د. عبدالهادي مصباح
الضحك من غير سبب ليس قلة أدب كما علمونا في الأمثال، فلو استطعت أن تضحك من دون سبب حتى في عز أزماتك، فإنك تقوي مناعتك، وتحافظ على صحتك، وتتجنب الإصابة بالأمراض المختلفة. ولعل كبار فناني وكتاب الكوميديا في مصر من أمثال أحمد رجب ومحمود السعدني والريحاني وفؤاد المهندس، وعبد المنعم مدبولي، وعادل إمام، وسمير غانم، ومحمد صبحي، وأحمد حلمي وغيرهم، يعتبرون بما يقدمونه من فن من أهم العوامل التي تساعد على تقوية الجهاز المناعي، والمحافظة عليه، في مواجهة ما يمكن أن يحدث له من تأثير الانفعالات والتوتر والتلوث، وغيرها من العوامل التي تؤثر بالسلب على جهاز المناعة في الإنسان؟ فالضحك له فعل السحر في مواجهة المواقف الصعبة في الحياة والأزمات النفسية والعصبية، وقد يتساءل القارئ وهو يقرأ هذا الكلام: من أين نأتي بالضحك في ظل هذه الظروف الصعبة، والمعاناة الاقتصادية والغلاء والكساد وغيرها من الظروف التي تصيب الإنسان بالاكتئاب ولا تدعو للضحك، كيف يمكن أن نواجه هذا التوتر العصبي المستمر في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا اليومية المليئة بالهموم والمشاكل؟ ومن أين نأتي بالضحك في زمن عز فيه الضحك والابتسام والفرح؟ والحقيقة أن هذه الأسئلة منطقية جداً ومشروعة، ولهؤلاء نقول إن الضحك ضروري بشكل خاص للأفراد شديدى الانفعال والذين يتعرضون لظروف صعبة، فالتوتر والاكتئاب لن يحل المشاكل، بل سوف يزيدها تعقيداً، فللضحك والمرح دور كبير فى خفض التوترات والانفعالات الشديدة، وكلما استخدم الشخص الانفعالى المزاح والفكاهة مبكراً فى حياته كان ذلك أفضل له فى تحقيق التكيف والتعامل المناسب مع الآخرين. وينصح الأطباء بالإكثار من الضحك الذى يؤدى إلى الشعور بالحرية والراحة النفسية والانطلاق والإحساس بأنك أكبر من المشكلة التي تواجهها حتى تستطيع أن تفكر في حلها، وحاول أن تضحك بصوت عال أي القهقهة بينك وبين نفسك عند مشاهدة أي شيء مضحك أو إذا ارتكبت أنت شخصياً أي خطأ مضحك. ماذا يفعل الضحك بالمناعة؟ لقد أثبتت أحدث الأبحاث العلمية أن الضحك والمرح يقللان من إفراز هرمونات الكوتيزول والأدرينالين وغيرها من هرمونات الانفعالات الهدامة، والتي لها تأثير سلبي على جهاز المناعة، وينشطان إفراز الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة، التي تعتبر مايسترو الجهاز المناعي، والتي يهاجمها فيروس الإيدز ويقضي عليها في حالة العدوى به، كما أن الضحك ينشط نوعا من الخلايا الهامة في جهاز المناعة تسمى الخلايا القاتلة الطبيعية NK Cells ، وهي الخلايا المسؤولة عن التصدي للفيروسات والخلايا السرطانية التي تنقسم انقساماً عشوائياً غير طبيعي وتقضي عليها في مهدها، وبالتالي فهو في غاية الأهمية للتصدي للأورام السرطانية والقضاء عليها وعلاجها، وقد خرج هذا البحث من أكثر من جامعة محترمة منها جامعة هارفارد الأميركية وجامعة لوماليندا وغيرهما. ولأن اللعاب والأغشية المخاطية في الفم والأنف، تعد خط الدفاع الأول الذي يخترقه أي ميكروب قبل دخوله إلى الجهاز التنفسي، فقد أجريت عدة تجارب في كلية الطب بجامعة أوهايو بالولايات المتحدة، لمعرفة تأثير الانفعالات والتوتر على الأجسام المضادة الموجودة في اللعاب والأغشية المخاطية، في مقابل تأثير الضحك والمرح على هذه القذائف المدفعية التي تقف على بوابة الجسم والجهاز التنفسي والهضمي، ومن خلال أبحاث أخرى أجريت في جامعات "ويسترن نيوإنجلاند" وجامعة "ووترلو" في أونتاريو، تبين أن الانفعالات والتوتر والاكتئاب تقلل من مستوى الأجسام المضادة الموجودة في اللعاب، وأن الضحك والفرفشة بعد مشاهدة شرائط من الأفلام والمسرحيات الكوميدية، قد رفع من مستوى هذه الأجسام المضادة بصورة واضحة من خلال التحاليل التي أجريت لهم.
وفوائد التفاؤل لا تقتصر على الكبار، بل يمتد مفعولها إلى الصغار أيضاً، فقد أثبت فريق من الباحثين اليابانيين أن الضحك هو أفضل وسيلة لكي تحمي الأم طفلها من الإصابة بإكزيما الجلد، وكان هذا الفريق من الباحثين اليابانيين قد توصل إلي أن الأم التي تقوم بإرضاع طفلها وهي في حالة من السعادة والفرح تحمي إبنها من الإصابة بالإكزيما، لذا ينصح هؤلاء الباحثون الأم بأن تشاهد قبل الرضاعة أحد الافلام ذات الطابع الكوميدي. وقد أرجع الباحثون اليابانيون السبب في ذلك إلى أن الضحك يفرز مواد مضادة للحساسية في اللبن الطبيعي للأم، ولعلنا نندهش إذا علمنا أن الطفل الطبيعي في مرحلة ما قبل المدرسة يضحك أو يبتسم حوالي 400 مرة يومياً، وينخفض هذا الرقم ليصل إلى 15 مرة يومياً ما بين ضحكة وابتسامة عندما يصل إلى سن 35 في الإنسان الطبيعي. وانتهت دراسة في جامعة شيكاغو إلى أن الضحك والمرح يمكن أن يزيدا عمر الإنسان 8 سنوات عن الإنسان العبوس والمكتئب. وفي جامعة ستانفورد الأميركية أظهرت إحدى الدراسات أن ضحكة واحدة من القلب مثل تلك التي تجعلك تستلقي على قفاك من الضحك، تعادل الفائدة التي تنالها أجهزة جسمك المختلفة ـ بما فيها الجهاز المناعي ـ من ممارسة 10 دقائق على ماكينة الجري. والضحك ينشط إفراز "الإندورفينات" أو الأفيونات الطبيعية التي تعد بمثابة مطمئنات طبيعية تحافظ على المزاج والسلوك الطبيعي، وأيضاً تقوى جهاز المناعة، بنفس القدر الذي يفرزه جسم الإنسان بعد ممارسة الرياضة بصفة منتظمة، ومع كل ضحكة من القلب يتم حرق 3.5 سعر حراري، مما يجعل الضحك أيضاً وسيلة للمحافظة على رشاقة بشرط عدم تناول أغذية غير صحية مع هذا الضحك. كما أن الضحك يزيد من كمية الأوكسجين التي تدخل إلى الجسم مما يساعد على تجديد الخلايا التالفة، وتقوية المناعة، وتقليل الإحساس بالألم، وتخفيف التوتر.