هنالك أيضاً معجزة في آية العنكبوت، عندما شبه الله تبارك وتعالى هذا البيت الذي تبنيه العنكبوت شبهه بأعمال الكفار: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 41]. وهنا يخطر سؤال بالذهن: لماذا قال الله تبارك وتعالى هنا (أوهن البيوت)؟
ويأتي العلماء في القرن العشرين ليكتشفوا أن خيوط العنكبوت هي أقوى الخيوط على الإطلاق، فالخيوط التي يصنعها العنكبوت هي خيوط (مادة هذه الخيوط) قوية جداً وأقوى من الفولاذ بكثير، وهنا يأتي بعض ضعاف القلوب ليقولوا: هذا تناقض بين العلم والقرآن، القرآن يقول (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) والعلم يقول: هذه الخيوط قوية جداً.
وإذا ما تأملنا هذه الآية (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) ودرسنا هذا البيت هندسياً نلاحظ أنه لا يمكن بناء بيت من خيوط ويكون هذا البيت ضعيف جداً إلا إذا كانت الخيوط قوية جداً، تأملوا هذه العلاقة العكسية. أي أننا إذا جئنا بخيوط من الفولاذ مثلاً، وبنينا منها بيتاً لن يكون ضعيفاً. وإذا جئنا بخيوط من الحرير، وبنينا منها بيتاً لن يكون ضعيفاً.
إلا خيوط العنكبوت ينبغي أن تكون مادتها صلبة جداً وقوية لأنها رفيعة، يعني خيط العنكبوت رفيع جداً لدرجة كبيرة، ومع ذلك تجده لا ينقطع يستطيع أن يبني هذا العنكبوت بيته بهذه الخيوط الرفيعة جداً ولا ينهار هذا البيت، مع أنه سهل الانهيار. لذلك قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)..
الذي يتعمق ويتفكر في هذه الآية يدرك أن الآية تشير إلى أن خيوط العنكبوت قوية، لأننا من الناحية الهندسية عندما نريد تصميم شبكة أو هيكل معدني فنطلب من مهندس أن يصمم لنا أضعف شبكة ممكنة هل تعلمون ماذا عليه أن يستخدم؟ من الناحية الهندسية يجب أن يستخدم خيوطاً رقيقة جداً وصلبة جداً، لأن هذه الخيوط هي التي تحقق لنا أضعف شبكة ممكنة. لأنه إذا استخدم خيوطاً ضعيفة وغير صلبة فلن يتمكن من بناء بيت ضعيف.
لنتأكد من هذه الحقيقة رياضياً: إن قوة الشبكة المعدنية تتعلق بعدة عوامل لنأخذ فقط سماكة هذه الخيوط، ويمكننا أن نقول:
كلما كانت سماكة الخيط أكبر كانت الشبكة أقوى.
الآن لنعكس هذه المعادلة فتصبح على الشكل الآتي:
كلما كانت سماكة الخيط أصغر كانت الشبكة أضعف.
ومن أجل الحصول على أضعف شبكة ممكنة يجب أن تكون سماكة الخيوط أصغر ما يمكن، وفي هندسة المواد نجد أننا حتى نحصل على أقل سماكة ممكنة من الخيط المعدني يجب أن تكون مادته صلبة جداً، وكلما كانت مادة الخيوط أصلب كلما تمكنَّا من صنع خيوط أدق. إذاً عندما حدثنا الله تعالى عن أوهن البيوت إنما يشير إلى أصلب أنواع الخيوط. والله اعلم.
هنالك شيء آخر أيضاً هو أن أنثى العنكبوت هي التي تقوم ببناء البيت وهذه معجزة ثانية أيضاً في الآية. ولو أننا نجد بعض الملحدين ممن انتقدوا هذه الآية بحجة أن العرب تؤنث كلمة (العنكبوت) فهذه الكلمة مؤنثة في اللغة، ولذلك قال (اتخذت) وهذا أمر طبيعي ليس فيه إعجاز. ونقول لماذا دائماً يأتي القرآن بالكلمة الصحيحة، لو كان من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم أليس ممكناً أن يخطئ ولو مرة على الأقل!!
وعلى سبيل المثال عندما رأى سيدنا إبراهيم قومه يعبدون الشمس، حاول أن يعطيهم درساً تعليمياً، يقول تعالى: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 78]. تأملوا معي قول سيدنا إبراهيم (هَذَا رَبِّي) لم يقل (هذه ربي)، مع العلم أن الشمس مؤنثة!! هل تعلمون لماذا؟
لأننا لو تأملنا تاريخ الأساطير وتاريخ الآلهة التي كانت تُعبد من دون الله نلاحظ أن الناس كانوا يعتبرون الإله ذكراً، واستمر ذلك آلاف السنين، ثم بعد ذلك وفقط قبل خمسة آلاف سنة بدأ الناس يعبدون الآلهة المؤنثة. وفي زمن سيدنا إبراهيم كان الإله ذكراً لذلك كانوا في لغتهم يعتبرون أن الشمس مذكرة وليست مؤنثة لأنها إله، وبالتالي قال إبراهيم مخاطباً قومه بلغتهم (هَذَا رَبِّي)، وهنا نود أن نقول لأولئك الملحدين: لماذا جاء القرآن في هذا الموضع بالكلمة الصحيحة؟؟ لو كان القرآن يتبع لغة العرب لكان الأولى أن يقول (هذه آلهتي) مثلاً!
وهكذا أيها الأحبة إذا تأملنا آيات القرآن وكلمات القرآن نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد وضع كل كلمة في مكانها الدقيق وفي إحكام مذهل ولو تأملنا كل كلمة نرى فيها معجزة تشهد على صدق هذا الكتاب العظيم. وعندما نرى هذه الآيات تتجلى في عالم الحشرات ينبغي أن نحمد الله كما علَّمنا: