لأنك زهرة الإسلام الرائعة .. فأمل الأمة فيك كبير.. ولأنك أهلٌ لتحقيق هذه الآمال بإيمانك الراسخ .. وعزمك الأكيد .. ومواهبك الفذَّة .. لذلك كله أرقبك بقلب يملؤه الأمل والثقة، ولكني أخشى عليك قطَّاع الطريق الذين يعرضون للصالحين في كل زمان ومكان.
واليوم أحذرك واحدًا من أخطرهم وأشدهم فتكًا بأعمالك الصالحة، إنه العُجْب!
غاليتي زهرة :
في عمر الزهور الذي تنعمين الآن بسنواته يكون كل شيء في الفتاة جميلًا، فصورتها قد استدارت وبدت عليها علامات الأنوثة والجمال، وبين ثقافتها ودراستها تشعر الفتاة بتفتح عقلها أكثر وأكثر، ومع نضوج آرائها وتبلور شخصيتها، قد يتضخم إحساسها بما لديها من مميزات ومواهب، وقد يشمل ذلك عبادتها أيضًا وتفوقها الدراسي، فالعُجْب مرض لا يصيب غالبًا إلا أصحاب الإنجازات والمواهب..!!
فما معنى العُجب ؟
العُجب هو: الإحساس بالتمـيّز، والافتخار بالنفس، مع عدم ربط هذه المميزات بالمنعم سبحانه وتعالى.
وعرفه ابن المبارك بعبارة موجزة فقال: (أنْ ترى أنَّ عندك شيئًا ليس عند غيرك).
ما هي مداخله ؟
قد يعتري الفتاة الشعور بالعجب عقب موسم من مواسم العبادة أبلت فيه بلاءًا حسنًا رمضان مثلًا، أو إذا حازت التفوق العلمي، أو إذا كانت تفوق قريناتها جمالًا، كل ذلك مع افتقاد التوجيه الديني.
فمداخله للنفس من جهل العبد بحق ربه وقدره، و جهله كذلك بحقيقة النفس وطبيعتها وعيوبها، وإهمال محاسبتها، ثم تجاهل النعم، ونسيان الذنوب، واستكثار الطاعات.
التحذير من العجب :
ولخطورة هذا الشعور النفسي، فقد حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ثلاث مهلكات: شُحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرء بنفسه) [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، (1802)].
وبيّن أن الفوز في الآخرة محض توفيق ورحمة من الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (لن ينجي أحدًا منكم عمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة) [متفق عليه].
مخاطر العجب وآثاره :
قال ابن المبارك: (لا أعلم في المصلين شيئًا شرٌ من العجب)، لأنه الخطوة الأولى على طريق الكبر والاستعلاء على الخلق، والحق.
وإذا استولى داء العجب على النفس تعرضت لسخط الله تعالى وعقابه،قال صلى الله عليه وسلم: (من تعظّم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (543)].
لأنه يولِّد في النفس أمراض أخرى وانحرافات نفسية تتلازم مع هذا الداء، مثل: الكب، والغرور، ونسيان الذنوب واستصغارها، والعمى عن التقصير في الطاعات، والاستبداد بالرأي، والتعصب للباطل، وجحود الحق.
فما أقبح الرضا عن النفس !
إذا كان المرء راضيًا عن نفسه، قعد عن التقدم للأمام، والارتقاء بها نحو المعالي، وانقاد لما تحب وتهوى، ولابد عندئذ أن تورده المهالك، وأول هذه المهالك إعجابه بنفسه الأمارة بالسوء، فهو يراها مزكّاة عن النقائص، متسامية عن الرذائل والقبائح من الطباع، قد بلغت القمة وتربعت عليها! وهذا نقيض ما أمر الله تعالى به {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32].
ويعلمنا الله تعالى أن الأصل في المسألة في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49].
والاستفهام في الآية استنكاري، بمعنى ألا ترى يا محمد إلى قبح شأنهم إذ يمدحون أنفسهم، ويعبرون عن إعجابهم بها ورضاهم عنها؟ [حطم صنمك، د.مجدي الهلالي، ص(110)]، وما أحسن الثقة، والفرح بطاعة الله تعالى!
الفرق بين العجب والثقة بالنفس والقدرات :
المفهوم الصحيح للثقة بالنفس هو الثقة بأننا نمتلك الإمكانات والأسباب التي حبانا الله إياها والتي تؤهلنا لأداء رسالتنا في الحياة بنجاح من عبادة الله تعالى، وهذه هي الثقة المحمودة، أما المعجب فلا يربط إمكاناته بالله تعالى ولكنه يراها ذاتية كقارون في قوله الذي حكاه القرآن الكريم: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78].
الفرق بين العجب والفرح بالطاعة والتفوق :
كما أن العُجْب يورث حبوط العمل، نجد أن الفرح بالطاعة من علامات الإيمان وأدلته، قال: (من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن) [صححه الألباني، في صحيح الجامع، (6294)].
فالمؤمن يفرح بالحسنة، ويغتبط بالطاعة، لأنه إنما يفرح بتوفيق الله تعالى له في أدائها، وإعانته على القيام بها، قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
ولكل داءٍ دواء :
لا شك أن للوالدين دور كبير في نفي خلق العجب، وما قد يتبعه من كبر وغرور، عن الأبناء، وغرس الإخلاص فيهم من بواكير أعمارهم، وليس أقرب للفتاة من أمها إذ تستطيع الأم الحاذقة اللماحة من خلال الملاحظة الدقيقة أن تلتقط الداء في أول مراحله، فتنبه وتحذّر زهرتها من هذا الخلق الذميم وتردها إلى التواضع والإزراء على النفس، على طريقة أم طلق بن حبيب التابعي الجليل رحمهما الله تعالى، فعن سفيان ابن عيينة قال: قالت أم طلق لطلقٍ: (ما أحسن صوتك بالقرآن! فليته لا يكون عليك وبالًا يوم القيامة! فبكى حتى غُشِي عليه) [عودة الحجاب، د.محمد ابن اسماعيل، (2/208)، بتصرف].
الحرص على العلم الشرعي :
إلى جانب فروع العلم الأخرى التي تتضمنها المناهج الدراسية، لابد من الأخذ بقسط من العلم الشرعي الذي يهذب النفوس، ويصلح القلوب، ويزيد الإيمان؛ فإن الإيمان الكامل والعجب لا يجتمعان، ومن أهم أبواب العلم تعلم معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله، وحقه في التعظيم الـمورِث للخوف، الذي يطرد العجب. قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67].
ربط النعم بالمنعم جلّ وعلا :
وذلك من خلال تبصير الفتاة بحقيقة نفسها، من حيث أن النعم التي ترفل فيها من ثراء، وجمال صورة، ونباهة وذكاء، وتناسق الأعضاء، وتمام الصحة، واكتمال الهيئة، تستوجب منها شكر المنعم عز وجلّ، وأنها محض فضل من الله تعالى، قال عز وجلّ: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].
تعليم الفتاة أن العجب والخيلاء والاستعلاء على الآخرين مفسد لها ومضيّع لأجرها، وإنما يدل انفعال العجب على اضطراب الشخصية، ولا يدل أبدًا على التميز الحقيقي عن باقي الأقران، فالمعجب يعجب بأعراض زائلة تحتمل التبديل والتغيير والهدم، وقد يكون ذلك عقوبة مفاجئة لقاء إعجاب المرء بنفسه، قال صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يتبختر في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) [رواه مسلم]، وفي رواية: (يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته) [متفق عليه]، فكيف بمن أُعجِبَ بعلمه أو عمله؟!
تنبيه الفتاة إلى أنّ شخصيتها لن تستقيم وتتكامل بالجوانب المادية فقط، مثل جمال الصورة أو المال أو التفوق العلمي وحده، حتى تكمل في نفسها وتصل إلى التميز الحقيقي إلا عندما تكمل في نفسها جوانب أخرى نفسية واجتماعية ودينية، أما الاستغراق في الجانب المادي المحسوس وحده فيؤدي بها إلى شخصية ضعيفة هشة البنيان.
* تحذير الفتاة من خلق الكبر وأنه خلق ذميم ومرض نفسي خطير يحيد بصاحبه عن الحق والخير والفضيلة الأخلاقية، وبيان أن ميزان التفاضل بين الناس قد حسمه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان الطوري، (1/213)].
* إبراز حقيقة الدنيا والآخـرة في ذهن الفتاة، وأن الدنيا دار للعمل و مزرعـة للبذر، والآخرة موسم الحصاد وتحصيل الجزاء من الله تعالى، وهو عز وجل لا يرضيه العجب، وكذا تذكّر الموت وما يكون بعده من الأهوال التي لا ينفع فيها إلا صالح العمل، والعجب يجعله هباء منثورًا.
* تدريب الفتاة على الأعمال التي تغرس في نفسها التواضع، وتكبح جماح كبريائها وإن نشأت في أسرة غنية ماديًا، مثل القيام بخدمة نفسها، ومعاونة الأم في أعمال المنزل، وكذلك تقديم المعونة للفقراء والمساكين، والتعامل معهم عن قرب.
* مطالعة سير الناجحين والمجتهدين في كل زمان، فالإطلاع على مقدار ما بذلوه من جهد، وما حققوه من نجاح مع تواضعهم وإزرائهم على أنفسهم، كفيل بإيضاح النموذج المتوازن، ومحاكاته.
وأخيرًا ابنتي زهرة :
تذكري أنّ الله سبحانه هو المنعم عليك ـ وعلى خلقه أجمعين ـ بإيجادك وإيجاد أعمالك، ومن ثم لا وجه لإعجاب عامل بعمله، ولا عالمٍ بعلمه، ولا جميل بجماله، ولا غني بغناه، إذ كل ذلك من فضل الله تعالى، فهو الذي جعل الإنسان محلًا لفيض النعم عليه، وهذه وحدها نعمة تستحق الشكر والمنة للكريم المنان جل وعلا [موسوعة تربية الأجيال المسلمة، نصر بن محمد الصنقري، ص(289)، بتصرف].