بعد اشتعال أزمة المياه..
مصر تهدد بمنع تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل
نهر النيل
القاهرة: في الوقت الذي اشتعلت فيه الأزمة بين دول منابع النيل السبع من جهة، ودولتي المصب "مصر والسودان" من جهة أخرى، الأمر الذي يهدد أمن مصر المائي ويعرضها للعطش خاصة في ظل نقص مياه الشرب الذي تشهده منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى، هدد مسئول مصري وللمرة الأولى بمنع تصدير الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل إذا ثبت أن لها دورا في الأزمة الحالية.
ويأتي التهديد المصري في ظل التحذير الدائم لخبراء شئون المياه من أن الوجود الإسرائيلي في دول حوض النيل أصبح أقوي من الوجود المصري في هذه الدول، مؤكدين أن وجود دولة الاحتلال في هذه الدول لا يصب إطلاقاً في خدمة المصالح المصرية، بل إنه يمثل عامل إزعاج لمصر، مضيفين أن إسرائيل إذا لم تنجح في الضغط علي دول الحوض لتخفيض حصة مصر السنوية من مياه النيل فإنها ستنجح علي الأقل في منع زيادة حصة مصر السنوية من مياه النيل.
كما يأتي التلويح المصري باستخدام "سلاح الغاز الطبيعي" لترهيب الإسرائيليين، في ظل تقارير صحفية كشفت في وقت سابق عن أن شركة (EMG) المصرية الإسرائيلية المسؤولة عن توريد الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل وقعت على صفقة جديدة لتوريد كميات ضخمة من الغاز الطبيعي لإسرائيل لمدة 17 عاماً، وجاء أيضاً انه من حق الشركة الإسرائيلية أن تمدد العقد لمدة خمس سنوات إضافية.
يذكر أنه وبعد مرور أكثر من 30 عاماً على اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام بين القاهرة وتل أبيب، فما يزال الجدل يثار حول الجدوى الإقتصادية من تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل الذي يتم بموجب اتفاق وقع عام 2005 لتوريد حوالي مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي المصري ولمدة 15 عاماً بسعر يقال أنه لا يتعدى 7 سنتات للقدم المكعب الواحد.
"سلاح الغاز"
في هذه الأثناء، أكد د. ضياء الدين القوصى، مستشار وزير الرى المصري، أن تأكيد البنك الدولى امتناعه عن تمويل أى مشروعات بدول منابع النيل السبع "بوروندي، والكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا"، دون موافقة دولتى المصب "مصر والسودان" يدعو إلى التفاؤل بشأن عدم الإضرار بحصص مصر من المياه فى حالة إقامة أى مشروعات بدول المنبع تعوق وصول المياه إلى مصر.
ونقلت صحيفة "الشروق" المستقلة عن القوصى قوله: "إن باقى الدول المانحة ليس لها مواقف معلنة، فالصين شاركت فى إنشاء سدود بإثيوبيا وغيرها من دول المنبع دون أن يكون لها موقف سياسى، وفى حالة عدم موافقة مصر أو السودان ستتوقف عن تمويل مثل هذه المشروعات، لافتا إلى أن الخطورة قد تكون من دول مانحة أخرى خارجية تعمل مع دول المنبع خارج إطار المبادرة مثل إسرائيل إلا أنه أكد أن مصر يمكنها الضغط عليها بمنع تصدير الغاز الطبيعى لها".
يذكر أن الكيان الصهيوني كان ولا يزال يطمع بمياه النيل، ولم يخف هذه الأطماع في يوم من الأيام حيث طالب مصر بتحويل مياه النهر من مصبه في البحر الأبيض المتوسط إلى صحراء النقب، وعندما باءت مطالبه بالفشل، لجأ الى إثارة الضغائن والاحقاد لدى الدول الافريقية ضد مصر، وأوعز لهذه الدول بمطالبة مصر بإعادة النظر في الاتفاقيات التاريخية الموقعة بينها والخاصة بتقسيم مياه النهر.
وكانت وزارة الخارجية المصرية كشفت في اكتوبر/تشرين الاول 2009 أن إسرائيل وافقت علي تمويل إنشاء 5 سدود لتخزين مياه النيل بكل من تنزانيا ورواندا، وكان نصيب تنزانيا من هذه السدود أربعة سدود، أما رواندا فسوف يكون نصيبها سداً واحداً. وأشارت أن كلاً من الدولتين ستنشئان هذه السدود دون إخطار مصر وأخذ موافقتها المسبقة.
وجاءت موافقة دولة الاحتلال على إقامة هذه السدود في أعقاب زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف ، أفيجدور ليبرمان إلى خمس دول أفريقية في شهر سبتمبر/ايلول 2009، بينها 3 تقع في منطقة حوض النيل، واستغرقت 10 أيام، وبحث خلالها إنشاء مشروعات مياه مشتركة إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية معه.
وخرج علينا وقتها وزير الري المصري الدكتور محمد نصر الدين علام، ليقلل من تأثير زيارة ليبرمان لأفريقيا، وقال إن بلاده لا ترى أي تأثير لزيارة ليبرمان إلى عدد من دول حوض النيل منها أوغندا، إثيوبيا وكينيا، على الأمن المائي لدول حوض النيل. وأضاف أن التحركات التي يقوم بها ليبرمان غير مقصود بها مصر وأمنها المائي.
وتاتي تصريحات القوصي في الوقت الذي تجتمع فيه اليوم الاربعاء 17 جهة دولية مانحة لمبادرة حوض النيل على رأسهم البنك الدولى، وبنك التنمية الأفريقى، بمدينة عينتيبى الأوغندية، لبحث موقف الدول المانحة تجاه مشروعات مبادرة حوض النيل، وذلك برئاسة د. محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والرى المصري، باعتباره رئيس المجلس الوزارى لدول الحوض.
ومن المنتظر أن يناقش علام مع الدول المانحة مدى استعدادها وموقفها الحالى من استمرار الدعم من عدمه، بعد أن اتجهت بعض الجهات المانحة إلى التوقف عن الدعم لحين التوصل إلى اتفاق شامل بشأن الاتفاقية الإطارية، حيث أصرت على ضرورة الاتفاق بين دول حوض النيل كشرط أساسى لاستمرار الدعم.
دور إسرائيل المشبوه
وكانت دولة الاحتلال قد كشفت عن دورها المشبوه في الأزمة الحالية بين دول حوض النيل، بعدما طالبت ثيقة إسرائيلية بتدويل النزاع بين دول منابع النيل السبع من جهة، ودولتي المصب "مصر والسودان" من جهة اخرى.
وحسبما ذكرت صحيفة "الوفد" المعارضة في عددها الصادر الثلاثاء، أعد الوثيقة تسيفي مزائيل سفير إسرائيل الأسبق في مصر، وتتضمن دراسة خطيرة تحمل المزاعم الإسرائيلية حول احتكار مصر لمياه النيل وحقوق دول المنابع المهدرة بسبب المواقف المصرية.
واتهم مزائيل "مصر بتجاهل المطالب الشرعية لدول المنابع"، وقال: "بدلا من قيام مصر بالبحث عن حلول واقعية وعملية سارت نحو حرب غير منطقية، داعيا الي تدخل الأمم المتحدة والقوي الدولية الكبري في الأزمة".
وأشار الي أنه لا يبدو أن مصر ستقوم بإرسال جيشها الي دول المنابع من أجل تشديد المراقبة علي كافة دول حوض النيل، وايقافها بالقوة إذا ما تطلب الأمر ذلك. كما أشار الي أن مصر بسبب تجاهلها مشكلة مياه النيل والحصص تقف الآن في مواجهة معضلة بالغة الصعوبة.
وقال مزائيل: "مصر مضطرة الآن للبحث عن حلول واقعية لمنع خفض كميات مياه النيل التي تحصل عليها بدون الدخول في مواجهة مع دول المنابع".
كان وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، قد اختار إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وغانا ونيجيريا، كمحطات لجولته التي استغرقت 10 أيام في شهر سبتمبر/ايلول الماضي.
وحسب المصادر الإسرائيلية فإن ليبرمان بحث سبل إنشاء مشاريع مياه. وقالت إن الدول التي زارها الوزير تعاني من مشاكل مياه، وإن إسرائيل لها تجربة جيدة، في مجال تحلية المياه، وعرضت خدماتها على مسؤولي تلك الدول.
وقال ليبرمان في لقاء مع الإذاعة الإسرائيلية، إن جولته الأفريقية كانت ناجحة وفوق التوقعات. وأن قادة الدول الأفريقية سألوه عن سبب إهمال أفريقيا في السياسة الخارجية الإسرائيلية.
ورافق ليبرمان وفد ضخم من كبار موظفي وزارات الخارجية والدفاع والمالية والتجارة والصناعة والزراعة، ووفد من رجال الأعمال، نصفهم من العاملين في حقل الصناعات العسكرية. ووقع على عدة اتفاقيات للتعاون في مختلف المجالات.
ويرى ليبرمان أن إسرائيل أهملت في الماضي دول أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وتركزت على العلاقات مع دول الغرب، وبهذا خسرت دولا حصتها من الاقتصاد العالمي تزيد على 40%.
وقال إن جولدا مائير كانت آخر وزير خارجية إسرائيلي يزور أفريقيا، في نهاية الستينات، أي قبل حوالي 40 سنة، وفي حينه كان لإسرائيل 30 سفارة في أفريقيا، بينما يوجد لها اليوم تسع سفارات فقط.
شراء المياه
سد
كانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن دول منابع حوض النيل السبع تدرس حاليا اقتراحا يدعو إلى مطالبة دولتي المصب "مصر والسودان" بشراء مياه النيل إذا كانت تسعى لمواصلة الاستفادة من مياه النهر، وذلك رغم تأكيد كبار المسئولين المصريين على عدم تفريط مصر فى أى قطرة مياه واحدة.
وقالت صحيفة "جيما تايمز" الإثيوبية في عددها الصادر الجمعة، إن هناك رأيا عاما تزداد قوته فى دول منابع النيل يطالب بضرورة دفع مصر ثمن استخدام مياه النيل.
ونقلت الصحيفة عن مصادر فى كينيا، إحدى دول منابع النيل، القول إن أغلب الكينيين يرون أن من حق بلادهم وباقى بلاد منابع النيل الحصول على مقابل لمياه النيل التى تصل إلى مصر والسودان.
وطالب أغلبية الكينيين بالتعامل مع مياه النيل كما تتعامل الدول مع البترول الذى يتم استخراجه من أراضيها وبالتالى يجب أن تشترى مصر ما تحتاج إليه من المياه من دول المنابع على اعتبار أن كلا من البترول والمياه مصادر طبيعية للدول.
وأشارت الصحيفة إلى اعتزام دول المنابع السبع التوقيع على معاهدة جديدة بشأن تقاسم مياه النيل رغم رفض دولتى المصب وهما مصر والسودان لهذه الاتفاقية الجديدة بسبب تجاهلها الحقوق الطبيعية للدولتين فى المياه وفقا لقواعد القانون الدولى.
وتحل الاتفاقية الاطارية الجديدة، التى تعتزم دول المنبع توقيعها يوم 14 مايو/آيار، محل اتفاقية عام 1929 التى وقعتها مصر وبريطانيا بالنيابة عن مستعمراتها دون مشاركة معظم دول حوض النيل واتفاقية 1959 بين مصر و السودان، التى تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.
وقالت الصحيفة الاثيوبية،: "إن إقامة منطقة للتجارة الحرة تضم مصر وباقى دول حوض النيل يمكن أن تحد كثيرا من احتمالات قيام نزاع بين مصر وتلك الدول على مياه النيل حيث يمكن لمصر التى تعانى من قلة مصادر المياه شراء احتياجاتها من الغذاء والكهرباء من كينيا وإثيوبيا وغيرهما من دول الحوض بدون أى أعباء إضافية.
تصعيد جديد
في سياق متصل، واصلت دول منابع النيل أمس عمليات التصعيد في أزمة المياه مع مصر، حيث اتهمت أثيوبيا مصر بعرقلة محادثات الوصول الي اتفاقية جديدة حول حصص مياه النيل.
وأعلن متحدث رسمي باسم الحكومة الاثيوبية اعتزام بلاده توقيع اتفاق اطار تعاون دول حوض النيل مع دول المنابع الأخري "أوغندا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية وبوروندي وكينيا ورواندا" المقررة في 14 مايو/ايار القادم.
ونقلت صحيفة "الوفد" المعارضة في عددها الصادر اليوم الاربعاء عن المتحدث الاثيوبي، قوله: "مصر تتبع سياسة التأخير لعرقلة المفاوضات".
واتهم المتحدث الرسمي الاثيوبي مصر بالسعي الي تعقيد قضية حصص مياه النيل منذ فترة طويلة. وقال: "مصر تجر رجليها في اشارة الي التباطؤ.
كما اتهم اسحاق موسومبا وزير الدولة للتعاون الاقليمي في أوغندا مصر والسودان بالعمل علي نسف كل الانجازات التي تحققت خلال سنوات من المحادثات والمفاوضات.
وينحصر الخلاف بين دول حوض النيل في ثلاثة بنود فقط بعد الاتفاق علي 39 بندا في الاتفاقية الإطارية، وهذه البنود تتعلق بالإخطار المسبق قبل قيام أي مشروعات، وتوفير الأمن المائي للدول، والتصويت على القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية.
وتشهد مصر أزمة في مياه الشرب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى، وكانت قد طالبت بزيادة حصتها من النهر، بعد أن أصبحت الحصة الأساسية التي تقدر بـ 55 مليار متر مكعب، لا تكفى احتياجات المواطنين ومشروعات التنمية المختلفة، واشترطت للتوقيع على الاتفاقية الجديدة أن تتضمن في البند الخاص بالأمن المائي، نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصتها وحقوقها التاريخية فى مياه النيل، قبل أن تواجه برفض جماعي لدول المنبع، بدا وكأنه مرتب ومتفق عليه قبل الاجتماع