إسلاميات

تفسير “فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا” النساء

تفسير “فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا” النساء

القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا (71) (النساء)

هَذَا خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمْر لَهُمْ بِجِهَادِ الْكُفَّار وَالْخُرُوج فِي سَبِيل اللَّه وَحِمَايَة الشَّرْع . وَوَجْه النَّظْم وَالِاتِّصَال بِمَا قَبْلُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله , أَمَرَ أَهْل الطَّاعَة بِالْقِيَامِ بِإِحْيَاءِ دِينِهِ وَإِعْلَاء دَعْوَتِهِ , وَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَقْتَحِمُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ عَلَى جَهَالَة حَتَّى يَتَحَسَّسُوا إِلَى مَا عِنْدهمْ , وَيَعْلَمُوا كَيْفَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ , فَذَلِكَ أَثْبَت لَهُمْ فَقَالَ : ” خُذُوا حِذْرَكُمْ ” فَعَلَّمَهُمْ مُبَاشَرَة الْحُرُوب . وَلَا يُنَافِي هَذَا التَّوَكُّل بَلْ هُوَ مَقَام عَيْن التَّوَكُّل كَمَا تَقَدَّمَ فِي ” آل عِمْرَان ” وَيَأْتِي . وَالْحِذْر وَالْحَذَر لُغَتَانِ كَالْمِثْلِ وَالْمَثَل . قَالَ الْفَرَّاء : أَكْثَر الْكَلَام الْحَذَر , وَالْحِذْر مَسْمُوع أَيْضًا ; يُقَال : خُذْ حَذَرَك , أَيْ اِحْذَرْ . وَقِيلَ : خُذُوا السِّلَاح حَذَرًا ; لِأَنَّهُ بِهِ الْحَذَر وَالْحَذَر لَا يَدْفَع الْقَدَر .

خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ فِي قَوْلهمْ : إِنَّ الْحَذَر يَدْفَع وَيَمْنَع مِنْ مَكَائِد الْأَعْدَاء , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا كَانَ لِأَمْرِهِمْ بِالْحَذَرِ مَعْنًى . فَيُقَال لَهُمْ : لَيْسَ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَذَر يَنْفَع مِنْ الْقَدَر شَيْئًا ; وَلَكِنَّا تُعُبِّدْنَا بِأَلَّا نُلْقِيَ بِأَيْدِينَا إِلَى التَّهْلُكَة ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ) . وَإِنْ كَانَ الْقَدَر جَارِيًا عَلَى مَا قُضِيَ , وَيَفْعَل اللَّه مَا يَشَاء , فَالْمُرَاد مِنْهُ طُمَأْنِينَة النَّفْس , لَا أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَع مِنْ الْقَدَر وَكَذَلِكَ أَخْذ الْحَذَر . الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَثْنَى عَلَى أَصْحَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا ” [ التَّوْبَة : 51 ] فَلَوْ كَانَ يُصِيبهُمْ غَيْر مَا قَضَى عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَام مَعْنًى .

يُقَال : نَفَرَ يَنْفِر ( بِكَسْرِ الْفَاء ) نَفِيرًا . وَنَفَرَتْ الدَّابَّة تَنْفُرُ ( بِضَمِّ الْفَاء ) نُفُورًا ; الْمَعْنَى : اِنْهَضُوا لِقِتَالِ الْعَدُوّ . وَاسْتَنْفَرَ الْإِمَام النَّاس دَعَاهُمْ إِلَى النَّفْر , أَيْ لِلْخُرُوجِ إِلَى قِتَال الْعَدُوّ . وَالنَّفِير اِسْم لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْفِرُونَ , وَأَصْله مِنْ النِّفَار وَالنُّفُور وَهُوَ الْفَزَع ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : ” وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا ” [ الْإِسْرَاء : 46 ] أَيْ نَافِرِينَ . وَمِنْهُ نَفَرَ الْجِلْد أَيْ وَرِمَ . وَتَخَلَّلَ رَجُل بِالْقَصَبِ فَنَفَرَ فَمُهُ أَيْ وَرِمَ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : إِنَّمَا هُوَ مِنْ نِفَار الشَّيْء مِنْ الشَّيْء وَهُوَ تَجَافِيهِ عَنْهُ وَتَبَاعُدُهُ مِنْهُ . قَالَ اِبْن فَارِس : النَّفَر عِدَّة رِجَال مِنْ ثَلَاثَة إِلَى عَشَرَة . وَالنَّفِير النَّفَر أَيْضًا , وَكَذَلِكَ النَّفْر وَالنُّفْرَة , حَكَاهَا الْفَرَّاء بِالْهَاءِ . وَيَوْم النَّفْر : يَوْم يَنْفِر النَّاس عَنْ مِنًى .

” ثُبَات ” مَعْنَاهُ جَمَاعَات مُتَفَرِّقَات . وَيُقَال : ثُبِين يُجْمَع جَمْع السَّلَامَة فِي التَّأْنِيث وَالتَّذْكِير . قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : فَأَمَّا يَوْم خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ فَتُصْبِح خَيْلُنَا عُصْبًا ثُبِينَا كِنَايَة عَنْ السَّرَايَا , الْوَاحِدَة ثُبَة وَهِيَ الْعِصَابَة مِنْ النَّاس . وَكَانَتْ فِي الْأَصْل الثُّبْيَة . وَقَدْ ثَبَّيْت الْجَيْش جَعَلْتهمْ ثُبَة ثُبَة . وَالثُّبَة : وَسَط الْحَوْض الَّذِي يَثُوب إِلَيْهِ الْمَاء أَيْ يَرْجِع قَالَ النَّحَّاس : وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ الضَّعِيف فِي الْعَرَبِيَّة أَنَّهُمَا وَاحِد , وَأَنَّ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر ; وَبَيْنهمَا فَرْق , فَثُبَة الْحَوْض يُقَال فِي تَصْغِيرهَا : ثُوَيْبَة ; لِأَنَّهَا مِنْ ثَابَ يَثُوب . وَيُقَال فِي ثُبَة الْجَمَاعَة : ثُبَيَّة . قَالَ غَيْره : فَثُبَة الْحَوْض مَحْذُوفَة الْوَاو وَهُوَ عَيْن الْفِعْل , وَثُبَة الْجَمَاعَة مُعْتَلّ اللَّام مِنْ ثَبَا يَثْبُو مِثْل خَلَا يَخْلُو . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الثُّبَة بِمَعْنَى الْجَمَاعَة مِنْ ثُبَة الْحَوْض ; لِأَنَّ الْمَاء إِذَا ثَابَ اِجْتَمَعَ ; فَعَلَى هَذَا تُصَغَّر بِهِ الْجَمَاعَة ثُوَيْبَة فَتَدْخُل إِحْدَى الْيَاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ثُبَة الْجَمَاعَة إِنَّمَا اُشْتُقَّتْ مِنْ ثَبَيْت عَلَى الرَّجُل إِذَا أَثْنَيْت عَلَيْهِ فِي حَيَاته وَجَمَعْت مَحَاسِن ذِكْره فَيَعُود إِلَى الِاجْتِمَاع .

مَعْنَاهُ الْجَيْش الْكَثِيف مَعَ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَلَا تُخْرَج السَّرَايَا إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام لِيَكُونَ مُتَجَسِّسًا لَهُمْ , عَضُدًا مِنْ وَرَائِهِمْ , وَرُبَّمَا اِحْتَاجُوا إِلَى دَرْئِهِ . وَسَيَأْتِي حُكْم السَّرَايَا وَغَنَائِمهمْ وَأَحْكَام الْجُيُوش وَوُجُوب النَّفِير فِي ” الْأَنْفَال ” و ” بَرَاءَة ” [ التَّوْبَة ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

: ذَكَرَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَقِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ” اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ” وَبِقَوْلِهِ : ” إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ ” [ التَّوْبَة : 39 ] ; وَلَأَنْ يَكُون ” اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ” [ التَّوْبَة : 41 ] مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ : ” فَانْفِرُوا ثُبَات أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا ” وَبِقَوْلِهِ : ” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة ” [ التَّوْبَة : 122 ] أَوْلَى ; لِأَنَّ فَرْض الْجِهَاد تَقَرَّرَ عَلَى الْكِفَايَة , فَمَتَى سَدَّ الثُّغُورَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أُسْقِطَ الْفَرْض عَنْ الْبَاقِينَ . وَالصَّحِيح أَنَّ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا مُحْكَمَتَانِ , إِحْدَاهُمَا فِي الْوَقْت الَّذِي يُحْتَاج فِيهِ إِلَى تَعَيُّن الْجَمِيع , وَالْأُخْرَى عِنْد الِاكْتِفَاء بِطَائِفَةٍ دُون غَيْرهَا .

Galal Hasanin

Galal Hasanin مؤسس موقع 56 نيوز - أعمل في مجال التربية والتعليم لغة انجليزية - مترجم - اهوي الشعر والانترنت

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also
Close
Back to top button