أرسل الدكتور فتحي والي عميد حقوق القاهرة سابقاً، المحامي بالنقض، بمذكرة وافية إلي المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس النادي بملاحظاته علي مشروع قانون المرافعات،
وحذر د/ والي في مذكرته ( التي نذكر هنا بعضاً من أهم أجزائها ).. من تعطيل الفصل في الدعاوي أمام المحاكم بعودة «هيئة التحضير»، التي تم إلغاؤها من قبل، مما يتسبب في مزيد من التعطيل، وسيصبح الوضع كارثياً، كما حذر من الاتجاه الخطير بالمشروع، والمتمثل في إلغاء قاضي التنفيذ، واستبداله بإدارة التنفيذ، وهو ما يحجب أحد أهم صور الحماية القضائية.
وكانت أهم ملاحظاته علي المشروع في النقاط التالية:
- أولاً: زيادة الاختصاص والغرامات:
(١ عمد المشروع إلي زيادة الاختصاص الابتدائي والنهائي، لكل من المحكمة الجزئية والمحكمة الابتدائية، كما عمد إلي زيادة قيمة الغرامات.
وذكرت المذكرة الإيضاحية لهذه التعديلات، أنها قد راعت «متوسط التغيير الذي لحق الأسعار، ومستوي المعيشة، ومن ثم قيمة العملة في السنوات السابقة». ولهذا حددت اختصاص المحاكم الابتدائية بالدعاوي، التي تجاوز قيمتها خمسين ألف جنيه، بدلاً من عشرة آلاف جنيه وحددت اختصاصها النهائي بما لا يجاوز عشرة آلاف جنيه، بدلاً من ألفي جنيه (في المواد ٤١ و٤٢ و٤٣ و٤٧ و٤٨٠ من القانون الحالي».
(٢ ولكن المشروع لم يراع نفس الضابط بالنسبة لغرامات أخري، دون أن توضح المذكرة الإيضاحية سبب هذه المغايرة، مادام أساس التعديل واحداً، وهو تغيير قيمة العملة.
(٣ والواقع أنه إذا كانت الأسعار قد تغيرت إلي أعلي، مع انخفاض قيمة العملة، فإن مستوي المعيشة لم يرتفع بنفس النسبة، بل علي العكس انخفض بالنسبة لمعظم المواطنين. ولهذا فإننا لا نري مبرراً لرفع قيمة الغرامات المشار إليها في المواد السابقة، هذا فضلاً عن أن رفع قيمتها علي النحو الوارد في المشروع، يرقي إلي أن تكون عائقاً لاستعمال حق التقاضي في الحالات التي تفرض فيها.
ومن ناحية أخري، فإنه مع خراب الذمم وفساد الأخلاق، لا نري مبرراً لرفع نصاب شهادة الشهود إلي ألف جنيه، خاصة أنه سبق رفع هذا النصاب بموجب القانون رقم ٢٣ لسنة ١٩٩٢ من مائة جنيه إلي خمسمائة جنيه.
(٤ وأخيراً، فإن الملاحظ في العمل أن القاضي الجزئي ينوء بعبء النظر في عدد ضخم من القضايا، علي عكس المحكمة الابتدائية، التي يقل عدد القضايا أمامها. ولهذا فإن اتجاه المشروع إلي رفع النصاب الابتدائي للقاضي الجزئي، سوف يؤدي إلي زيادة عدد القضايا، التي يختص بها، بما يؤدي إلي عدم تمكينه من نظرها علي نحو يؤدي إلي تحقيق العدالة.
وليس صحيحاً ما تقوله المذكرة الإيضاحية للمشروع من أن كاهل المحكمة الابتدائية يرزح بالآلاف من القضايا، بحيث يلزم تخفيف العبء عنها، بل العكس فإن القاضي الجزئي هو الذي ينوء بما ينظره من مئات القضايا في الجلسة الواحدة.
أما ما تقوله المذكرة الإيضاحية من تبرير لجعل الاختصاص بهذه الدعاوي للمحكمة الجزئية، بأنه «من أجل إحاطة هذه الدعاوي بسياج من الأمان، ورد كيد محترفي التعدي علي الأملاك الخاصة والعامة»، فهو قول لا يدعم اتجاه المشرع، بل هو يوجب إبقاء تلك الدعاوي من اختصاص المحكمة الابتدائية فهي الأقدر علي تحقيق ذلك الهدف، فهي دعاوي غير قابلة للتقدير، قد تتعلق بعقارات تجاوز قيمتها الملايين، وجعل هذه الدعاوي من اختصاص القاضي الجزئي، يؤدي إلي نظر استئناف الأحكام فيها أمام المحكمة الابتدائية، وبالتالي حرمان المتقاضين فيها من طريق الطعن بالنقض.
- ثانياً: إدخال نظام التحضير في المحكمة الابتدائية:
(١ أضاف المشروع الباب الثاني مكرراً إلي الكتاب الأول من تقنين المرافعات للأخذ بنظام «تحضير الدعاوي»، وقد اقتضاه هذا النظام أيضاً تعديل المواد ٨٣/١ و٩٢/١ و١١٤ و١١٥/٢ و١٣٦/٢ و٢١٣/١ من قانون المرافعات، وإضافة المواد من ٧١ مكرراً إلي ٧١ مكرراً (٣ إلي القانون.
(٢ ونظام التحضير ليس جديداً في التشريع المصري، فقد عرفه قانون المرافعات الأهلي منذ صدوره سنة ١٨٨٣ في المواد من ٥١ إلي ٦٧ منه، للعمل به أمام المحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية، ومحاكم الاستئناف. وعندما تبين عدم نجاح هذا النظام ألغي بعد أقل من عشر سنوات من تطبيقه، بالأمر العالي الصادر في ٣١ أغسطس ١٨٩٢.
وقد بررت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم ١٠٠ لسنة ٦٢، إلغاء نظام القاضي التحضير، بأنه يؤدي إلي تعطيل الفصل في الدعوي.
وعندما ألغي القانون ١٠٠ لسنة ١٩٦٢ نظام قاضي التحضير، ابتدع نظاماً آخر لتحضير الدعاوي، وهو تحضيرها في قلم كتاب المحكمة. ووحد هذا القانون الإجراءات أمام المحكمة الابتدائية والمحكمة الجزئية، فأوجب علي المدعي أن يرفق بصحيفة دعواه جميع المستندات المؤيدة لدعواه ومذكرة شارحة، كما أوجب علي المدعي عليه أن يودع مذكرة بدفاعه، ومعها المستندات المؤيدة لدعواه قبل الجلسة بثلاثة أيام علي الأقل، ولأن الدعوي تحضر في قلم الكتاب قبل أول جلسة، فقد نص القانون علي أن المرافعة تجري في أول جلسة.
وقد أخذت مجموعة سنة ١٩٦٨ الحالية بالنظام الذي ابتدعه القانون ١٠٠ لسنة ١٩٦٢.
(٣ وبعد هذه التجارب العديدة في النظام القضائي المصري، لنظام قاضي التحضير، وثبوت فشله في كل مرة، رغم محاولة المشرع تلافي عيوبه، يعود المشرع المصري مرة أخري في المشروع الجديد إليه في ثوب جديد أكثر تعقيداً، فقد اقترح المشروع إنشاء ما سماه «هيئة التحضير» في كل محكمة ابتدائية، تكون مهمتها فقط تحضير الدعاوي الابتدائية في نطاق هذه المحكمة.
وتشكل من قاضي استئناف وعدد من قضاة الاستئناف والمحاكم الابتدائية. وبعد الانتهاء من تحضير الدعوي، تصدر الهيئة خلال خمسة عشر يوماً، قراراً بإحالتها للمرافعة أمام الدائرة التي ستنظرها، مرفقة بقرارها مذكرة موجزة بوقائع وأسانيد الخصوم، دون إبداء رأي قانوني.
ومن الواضح أن هذا النظام يتمخض عن مضاعفة دوائر المحكمة الابتدائية، إذ ستكون لكل دعوي دائرتان: إحداهما تحضر القضية وتكتب تقريراً عن وقائعها، وما قدم فيها من دفاع ودفوع وأدلة إثبات، وتقوم الثانية بفحص هذه الوقائع، والنظر في ثبوتها وتكييفها، والبحث عن القاعدة القانونية واجبة التطبيق ثم تطبيقها علي تلك الوقائع.
وإذا كان نظام قاضي التحضير السابق تجربته، قد ألغي لأنه يعطل الفصل في الدعاوي، فإن النظام المقترح، سوف يؤدي ليس فقط إلي مزيد من التعطيل، بل أيضاً إلي تعقيد الإجراءات وإضاعة وقت القضاة وجهدهم دون فائدة.
وسيصبح الوضع كارثياً بالنسبة للمنازعات التي يوجب القانون «رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠» عرضها علي لجان فض المنازعات. إذ ستمر الدعوي أولاً بلجنة فض المنازعات، ثم بهيئة التحضير ثم بالمحكمة الابتدائية!
وقد دلت التجارب في مصر، علي أن التحضير أمام القاضي مضيعة لوقته ولوقت المتقاضين والمحامين. ولهذا آثر المشرع المصري منذ القانون ١٠٠ لسنة ١٩٦٢، أن يتم التحضير في قلم الكتاب، وهو ما أخذت به مجموعة المرافعات الحالية سنة ١٩٦٨، ووضعت له نصوصاً تفصيلية.
ورغم هذه النصوص، فقد جري العمل علي عدم احترامها.
وفي تقديرنا، فإن النظام الأمثل لتحضير القضايا هو تحضير القضايا في قلم الكتاب، وإذا كان النظام الذي أخذ به المشرع المصري منذ القانون ١٠٠ لسنة ١٩٦٢ لم ينجح، فإن هذا يرجع إلي أن النصوص غير واقعية، مما اضطر القضاة إلي تجاهلها، إذ لا يتصور إلزام المدعي بتقديم كل مستنداته عند رفع الدعوي.
- ثالثاً: وضع نظام لنظر الدعاوي صغيرة القيمة والفصل فيها.
ولاشك أن فكرة وضع نظام إجرائي مبسط للدعاوي قليلة القيمة، هي فكرة صائبة، إذ تقوم عادة بين أطراف ذوي دخل محدود لا يتحملون نفقات كبيرة أو إجراءات طويلة، فضلاً عن أن تلك الدعاوي لا تثير مشاكل قانونية صعبة، وقد أخذت بعض التشريعات الأجنبية بهذه الفكرة ومنها القانون الفرنسي والقانون الكويتي، ولكن لنا الملاحظات التالية:
- إن تقدير قيمة هذه الدعاوي بما لا يجاوز عشرة آلاف جنيه، مع رفع النصاب الابتدائي للمحكمة الجزئية إلي خمسين ألف جنيه، يؤدي إلي تعقيد مشكلة الاختصاص القيمي، إذ يتوزع الاختصاص بين المحكمة الابتدائية والمحكمة الجزئية ومحكمة الدعاوي الصغيرة.
ولهذا فإننا نري أن يبقي الاختصاص القيمي للمحكمة الجزئية كما هو الآن أي عشرة آلاف جنيه، أو يرفع فقط إلي عشرين ألف جنيه، ويطبق النظام الإجرائي الجديد علي جميع الدعاوي التي تختص بها المحكمة الجزئية.
كما إن عدم استلزام أن يكون الوكيل عن الخصم محاميا «مادة ٥٠٦ من المشروع» يتعارض مع نص آخر في قانون المحاماة.
إن اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم بمنازعات تنفيذه يعتبر استثناء علي اختصاص قاضي التنفيذ بمنازعات تنفيذ الأحكام أيا كانت المحكمة التي أصدرتها، وهو أخذ بفكر قديم عدلت عنه جميع التشريعات الحديثة ومنها القانون المصري، إذ أن منازعات التنفيذ تتعلق بأمور تجد بعد صدور الحكم.
إن النص علي وجوب رفع الدعوي الموضوعية خلال أسبوع من وقف التنفيذ كأثر لرفع الإشكال، نص يعيبه أن الإشكال قد يكون أساسه هو انعدام القوة التنفيذية للحكم، وبالتالي ليست هناك دعوي موضوعية يمكن رفعها بعد وقف التنفيذ، فضلا عن أن الدعوي لا تقبل من غير ذي مصلحة.
إن النص علي منع تنفيذ الحكم بطريق حجز العقار يتضمن مصادرة لحق المحكوم له، إذا كان المحكوم عليه لا يملك إلا عقارا، وهو ـ فضلا عن هذا ـ نص لا يواجه أي مشكلة عملية إذ المحكوم له ـ ولو كان حقه كبير القيمة ـ لا يلجأ عادة إلي التنفيذ علي العقار إلا لعدم وجود مال منقول مملوك لمدينه.
رابعا: إعادة تنظيم أحكام الطعن بطريق النقض:
١- تحديد نصاب لمحكمة النقض: حددت المادة ٢٤٨ من المشروع نصابا للطعن بالنقض بأن تكون قيمة الدعوي تجاوز مائة ألف جنيه أو غير قابلة للتقدير، وهو اتجاه محمود.
٢- العدول عن نظام ضم الملف: عدل المشروع في المادة ٢٥٥ من المشروع، عن نظام ضم الملف، ليعود مرة أخري إلي نظام تقديم الطاعن لمستندات الطعن، مع تخويل محكمة النقض سلطة الأمر بضم الملف عندما تري مبررا لذلك.
وهو تعديل محل نظر، إذ يعيد نظاما ثبت فشله أكثر من مرة.
خامسا: في التنفيذ الجبري:
تفعيلا للتنفيذ الجبري، اتجه المشروع إلي إنشاء ما يسمي إدارة للتنفيذ.
ولا شك أن الشكاوي قد تعددت من صعوبة التنفيذ الجبري في مصر ولهذا فإن الإصلاح فيه أصبح ضروريا.
وإذا كنا مع هذا الإصلاح فإننا نلاحظ علي ما يتضمنه المشروع في هذا الصدد ما يلي:
استبدل المشروع في المادة ٢٧٤ من قانون المرافعات إدارة التنفيذ بقاضي التنفيذ، وهو اتجاه خطير إذ يفصح المشروع بهذا عن اعتباره التنفيذ الجبري القضائي عملا إداريا، في حين أنه أحد أهم صور الحماية القضائية، ولهذا فإنه يجب إبقاء التنفيذ الجبري القضائي تحت إشراف القضاء، وليس تحت إشراف الإدارة ويبقي نص المادة ٢٧٤ كما هو بأن «يجري التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ».
ولا شك أنه يلزم إدخال تعديلات جذرية علي نظام التنفيذ الجبري في مصر لجعله أكثر فاعلية، ولكن ما جاء به المشروع لا يحقق هذا الهدف علي النحو المنشود.
والواقع أن كل منشغل بمشاكل التنفيذ الجبري في مصر لابد أن يلحظ المعاناة التي يواجهها الدائن في مصر لاقتضاء حقه، فبعد مضي سنوات أمام ساحة القضاء تبقي المشكلة الأكبر وهي تنفيذ الحكم.
والحقيقة أن إجراءات التنفيذ الجبري في مصر، رغم ما طرأ عليها من تطور في مجموعة سنة ١٩٦٨ وبصفة خاصة الأخذ بنظام قاضي التنفيذ، بقيت في مجموعها كما هي دون تبسيط، فمازالت طرق التنفيذ هي نفسها التي كانت تعرفها المجموعة الفرنسية سنة ١٨٠٦.
فلم تعد طرق التنفيذ وإجراءاته التي يعرفها المشرع المصري كافية أو مناسبة، ولهذا يجب أن يقوم المشرع المصري بتعديل شامل لطرق وإجراءات التنفيذ الجبري في مصر حتي يتم اقتضاء الدائن لحقه بغير إرهاق وعنت أو تأخير.
وفي تقديري أنه يجب إدخال نظامين مهمين في التنفيذ الجبري.
النظام الأول: نظام لمساعدة الدائن علي معرفة أموال المدين المطلوب التنفيذ الجبري ضده: وهذا النظام ضرورة لمواجهة مشكلة إخفاء المدين المنفذ ضده لأمواله، بحيث لا يستطيع الدائن التنفيذ ضده.
النظام الثاني: نظام حبس المدين الموسر المماطل، ومنعه من السفر: يجب النظر في الأخذ بنظام حبس المدين الموسر المماطل إذا امتنع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي، مع وضع الضوابط الضروري لمنع إساءة استعماله.
وهو نظام يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية التي ينص الدستور المصري علي أنها المصدر الرئيسي للتشريع، فقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله «مطل الغني ظلم».
وقد أثبتت التجربة في البلدان التي تأخذ بنظام حبس المدين فاعليته، وأدي عملا إلي قيام المدينين بالوفاء تجنبا للحبس.
ولعل السيد الأستاذ الدكتور رئيس مجلس الشعب يبادر بقرار منه بتشكيل هذه اللجنة، وهو ما سبق أن قام به عندما تم عرض مشروع قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ علي مجلس الشعب.
كان هذا هو نص مذكرة الدكتور فتحي والي ... أحد خبراء وعلماء قانون المرافعات والتنفيذ الجبري