بسم الله الحمن الرحيم
ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟
في الذكرى الخمسين لاغتصاب فلسطين
شعر : فاروق جويدة
ماذا تبقى من بلاد الأنبياءْ..
لا شيءَ غيرُ النجمةِ السوداءِ
ترتعُ في السماءْ..
لا شيءَ غيرُ مواكبِ القتلى
وأنات النساء
لا شيءَ غير سيوفِ داحسِ التي
غرست سهام الموت في الغبّراء
لا شيءَ غيرُ دماء آل البيتِ
ما زالت تحاصرُ كربلاء
فالكون تابوتُ..
وعين الشمس مشنقهُ
وتاريخ العروبة
سيف بطشٍ أو دماء..
، ، ،
ماذا تبقى من بلاد الأنبياءْ
خمسون عاماً
والحناجر تملأُ الدنيا ضجيجاً
ثم نبتلعُ الهواء..
خمسون عاماً
والفوارس تحت أقدام الخيول
تئنُ في كمد.. وتصرخ في استياءْ
خسمونَ عاماً في المزاد
وكلُ جلاد يحدق في الغَنيمةِ
ثم ينهبُ ما يشاء
خسمونَ عاماً
والزمان يدورُ في سأمٍ بنا
فإذا تعثرت الخطى
عدنا نهرولُ كالقطيع إلى الوراءْ..
خمسون عاماً
نشربُ الأنخابَ من زمن الهزائم
نُغرق الدنيا دموعاً بالتعازي والرثاءْ
حتى السماء الآن تُغلقُ بابها
سئمت دعاءَ العاجزين وهل تُرى
يُجدي مع السفه الدعاءْ..
، ، ،
ماذا تبقي من بلاد الأنبياءْ؟
تُرى رأيتم كيف بدلت الخيولُ صهَيلها
في مهرجان العجز..
واختنقت بنوباتِ البكاءْ..
أتُرى رأيتم
كيف تحترف الشعوب الموتَ
كيف تذوب عشقاً في الفناءْ
أطفالنا في كل صبحٍ
يرسمونَ على جدارِ العمرِ
خيلاً لا تجيء..
وطيف قنديل تناثرَ في الفضاءْ..
والنجمةُ السوداءُ
ترتع فوقَ أشلاء الصليب
تغوص في دم المآذن
تسرق الضحكات من عينِ الصغارِ الأبرياءْ
، ، ،
ماذا تبقى من بلادِ الأنبياءْ؟
ما بين أوسلو
والولائم.. والموائد والتهاني.. والغناءْ
ماتت فلسطين الحزينة
فاجمعوا الأبناء حول رُفاتَها
وابكوا كما تبكي النساء
خلعوا ثيابَ القدسِ
ألقوا سرها المكنونَ في قلبِ العراءْ
قاموا عليها كالقطيعِ..
ترنح الجسد الهزيل
تلوثت بالدم أرض الجنة العذراءْ..
كانت تحدقُ في الموائدِ والسكارى حولها
يتمايلون بنشوةٍ
ويقبلون النجمةَ السوداءْ
نشروا على الشاشات نعياً دامياً
وعلى الرفات تعانق الأبناءُ والأعداءْ
وتقبلوا فيها العزاءْ..
وأمامها اختلطتْ وجوه الناسِ
صاروا في ملامحهم سواءْ
ماتت بأيدي العابثين مدينة الشهداءْ..
، ، ،
ماذا تبقى من بلادِ الأنبياءْ؟
في حانة التطبيع
يسكر ألفُ دجالٍ وبين كئوسهم
تنهار أوطان.. ويسقط كبرياءْ
لم يتركوا السمسار يعبث في الخفاءْ
حملوه بين الناس
في البارات.. في الطرقات.. في الشاشاتِ
في الأوكار.. في دورِ العبادة
في قبور الأولياءْ
يتسللون على دروب العارِ
ينكفئونِ في صخبِ المزاد
ويرفعون الرايةَ البيضاءْ..
ماذا سيبقى من نواقيس النفاقِ
سوى المهانة والرياءْ..
ماذا سيبقى من سيوف القهرِ
والزمن المدنس بالخطايا
غير ألوان البلاء
ماذا سيبقى من شعوبٍ
لم تعد أبداً تفرق
بين بيت للصلاة.. وبين وكرٍ للبغاء
النجمة السوداءَ
ألقت نارها فوق النخيل
فغابَ ضوءُ الشمس..جفَ العشبُ
واختنقت عيون الماءْ..
، ، ،
ماذا تبقّى من بلاد الأنبياء؟
ماتتْ من الصمت الطويل خيولنا الخرساءْ
وعلى بقايا مجدهَا المصلوب ترتعُ نجمة سوداءْ
فالعجزُ يحصد بالردى أشجارنا الخضراءْ
لا شيء يبدو الآن بين ربوعنا
غير الشتات.. وفرقة الأبناء
والدهرُ يرسمَ
صورة العجز المهينِ لأمةٍ
خرجتْ من التاريخ
واندفعتْ تهرولُ كالقطيعِ إلى حمى الأعداءْ..
في عينها اختلطتْ
دماء الناس والأيام والأشياءْ
سكنت كهوف الضعف
واسترخت على الأوهامِ
ما عادت ترى الموتى من الأحياءْ
كهانُها يترنحونَ على دروبِ العجزِ
ينتفضون بين اليأسِ والإعياءْ..
، ، ،
ماذا تبقى من بلاد الأنبياءْ؟
من أي تاريخٍ سنبدَأُ
بعد أن ضاقت بنا الأيامُ
وانطفأ الرجاءْ
يا ليلةَ الإسراء عودي بالضياءْ
يتسلل الضوءُ العنيد من البقيع
إلى روابي القدس
تنطلق المآذنُ بالنداءْ
ويطل وجهُ محمدٍ
يسري به الرحمنُ نوراً في السماءْ..
الله أكبرُ من زمانِ العجز..
من وهنِ القلوبِ.. وسكرة الضعفاءْ
الله أكبر من سيوف خانها
غدرُ الرفاقِ.. وخسةُ الأبناءْ
جلبابُ مريم
لم يزل فوق الخليل يضيءُ في الظلماءْ
في المهد يسري صوتُ عيسى
في ربوع القدسِ نهراً من نقاءْ
يا ليلة الإسراء عودي بالضياءْ
هزّي بجدع النخلة العذراءْ
يَسَّاقط الأملُ الوليدُ
على ربوع القدسِ
تنتفض المآذنُ يبعثُ الشهداءْ
تتدفق الأنهار.. تشتعل الحرائقُ
تستغيثُ الأرضُ
تهدُرثورةُ الشرفاءْ..
يا ليلة الإسراء عودي بالضياءْ
هُزي بجذع النخلة العذراءْ
رغم اختناقِ الضوء في عيني
ورغم الموت.. والأشلاء.ِ
مازلت أحلمُ أن أرى قبلَ الرحيلِ
رمادَ طاغية تناثر في الفضاءْ
مازلت أحلم أن أرى فوقَ المشانق
وجه جلاد قبيح الوجه تصفعُه السماءْ
مازلت أحلمُ أن أرى الأطفالَ
يقتسمونَ قرص الشمس
يختبئون كالأزهار في دفء الشتاءْ
مازلت أحلمُ..
أن أرى وطناً يعانقُ صرختي
ويثورِ في شممٍ.. ويرفض في إباء
مازلت أ حلم
أن أرى في القدس يوماً
صوت قداس يُعانق ليلةَ الإسراء
ويطل وجهُ الله بين ربوعنا
وتعود.. أرض الأنبياءْ..
منقول