الشخصيات الاستثنائية غالبا ما تكون نهايتها استثنائية.. ربما ذلك ما ينطبق على العقيد الليبي معمر القذافي الذي قضي أخيرا مقتولا على يد ثوار ليبيين بعد ما أذاق معارضيه من أبناء شعبه الأمرين، لينتهي بنفس الطريقة التي انهى بها حياة كثير من معارضيه.
ورغم الجدل الكبير الذي أثارته عملية نشر صور القذافي مقتولا، ثار جدل أكبر فيديو تم نشره مؤخرا، ويحوي اللحظات الأخيرة قبل دفن القذافي ونجله المعتصم ، وأبو بكر يونس، وعمليات الغسل والتكفين، والصلاة عليهم في حضور أبناء أبو بكر يونس، وعدد محدود لا يتجاوز 20 شخص، بحسب ما ورد في مقطع الفيديو.
وكانت ليبيا، قد طوت الخميس الماضي، صفحة معمّر القذافي، الذي قُتل على أيدي الثوار بعد ثمانية أشهر من انطلاق الثورة ضد نظامه في 17 فبراير الماضي، وبعد شهرين من سقوط العاصمة طرابلس في أيدي الثوار، وأمام انتفاضة غير مسبوقة ضد نظامه المتسلط منذ 42 عاماً، اختار القذافي الفرار منذ سقوط طرابلس ، إثر تأكيده انه يريد ''الاستشهاد'' في ليبيا. وقد تم منذ ذلك الوقت اعتقال أو قتل عدد من أقاربه.
يشار إلى أن معمر محمد عبد السلام القذافي ولد عام 1942 في منطقة سرت وتلقى تعليمه في مدرسة في سبها بجنوب البلاد، ثم انتقل منها للدراسة في جامعة بنغازي، لكنه لم يكمل دراسته الجامعية لانضمامه إلى الجيش.
وعندما بلغ العاشرة، كان ملهمه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وتنظيمه الضباط الأحرار وهو يقوم بانقلاب عسكري ضد آخر ملوك عائلة والي مصر محمد علي، الملك فاروق، وشارك القذافي، الذي كان معجبا بعبد الناصر وبنظرته القومية، في المظاهرات التي عمت البلدان العربية احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وألهم عبد الناصر القذافي حيث وضع خطة الانقلاب الأولية على الملك الليبي إدريس السنوسي، وهو طالب في الكلية العسكرية، فقام بالانقلاب العسكري عندما كان ''ملازما'' في الجيش الليبي في الأول من سبتمبر 1969. وأطلق القذافي على ثورته اسم ''ثورة الفاتح''.
ويبدو أن أحلام العروبة لديه لم تكن بنفس قوة أحلام القيادة، فسرعان ما وجد أن تلك الأحلام القومية العربية صعبة التحقيق، مما جعله يبحث عن القيادة وبريقها في مكان آخر، ووجد القذافي ضالته في القارة الأفريقية. فطرح نفسه كزعيم أفريقي.
وسمى نفسه ''ملك ملوك أفريقيا''، وجمع القذافي أكثر من 200 من الملوك والزعماء التقليديين في أفريقيا والتقى الحكام الأفارقة بتيجانهم الذهبية وأزيائهم الملونة في مدينة سرت الليبية في أول تجمع من نوعه، ودعا القذافي المجتمعين إلى الانضمام لحملته من أجل تحقيق الوحدة الأفريقية، وقد أعرب الزعماء الأفارقة عن دعمهم لرؤية القذافي الداعية إلى دمج سلطاتهم في حكومة واحدة.
وعرف عن القذافي قسوته في التعامل مع المعارضة، كما عرف عنه أيضا تصفيته لكل من يختلف معه، حتى ولو من أعوانه، وهو ما يفسر اختفاء كل من ساهم في انقلاب سبتمبر 1969، وللقذافي قصص كثيرة تتعلق بالتخلص من معارضيه لعل أبرزها التخلص من المعارض منصور كيخيا الذي اختفى عام 1993 في القاهرة، كما قضى على ما يزيد عن 1200 معتقل في مجزرة كبرى في سجن بوسليم في طرابلس في يونيو 1996.
وتشير إحدى الوثائق أنه يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب بثروة تقدر بـ131 مليار دولار، وهي ثروة تقارب ستة أضعاف ميزانية ليبيا لعام 2011 البالغة 22 مليار دولار.