يوم غائم في البر الغربي
رواية “عبقرية ” ، و تستحق أن تكون على قائمة البوكر و بجدارة . كيف أستطاع ” المنسي قنديل ” أن يجمع كل تلك الأحداث و الأزمان المختلفة في رواية , كيف استطاع أن يصف معاناة ” عائشة ” بتلك البراعة !
حين يتحدث في البداية عن جريمة تفتعلها والدة عائشة حين توشم صليب على ذراعها ، ثم يتضح أنها تخطط لتنقذ أبنتها الوحيدة من بطش عمها و شهوانيته الحيوانية و تودع ” عائشة ” في مدرسة الراهبات التابعة للكنيسة بعيداً عن النجع ، و تدعي أنها أعتنقت الديانة و هربت من بطش أهلها !
لترحل عن أبنتها للابد …
ثم تُطرد “ماري” أو ” عائشة ” من المدرسة بعد أن تورطت مع تلك الراهبة الامريكية في مشكلة ما ، و تبدأ عائشة رحيلها الذي لا ينتهي ، و كلما أتخذت لها مكان يأتي يوماً ليضيق بها و تنتقل لغيره .
فـ عندما انتقلت إلى المينا عند صديقتها ” ايزيس ” أبنة الباشا تتعرف على مجتمع اخر ، و ينبهر بها “هوارد كاتر ” و يتخيلها أميرة فرعونية من زمن ما !
و يلتفت إليها اللورد ” كرومر ” ، لتذهب بعد ذلك إلى عرينه كمترجمة لزوجته ثم له .
ليأتي عالم اخر و حادثة دنشواي
و يلتفت إليها ” عبد الرحمن الرافعي ” و يسألها بلوم كيف تعمل عند العدو !
لتُفكر في كلماته و تنتقل إلى جريدة “اللواء” و زعيمها الراحل ” مصطفى كامل ” و يبدأ النضال الوطني و الثورات للتحرر من الإنجليز .
و يظهر فجأة الرسام المصري المعروف ” محمود مختار ”
ليبدأ القدر أفاعيله و لتنتهي تلك القصة بالفراق
بعد أن أُعتقل “محمود مختار ” في مظاهرة ما ، و كعادة كل المعتقلين السياسيين حين يُطلق سراحهم ، يتركون كل ما له صلة بالماضي و محاولة جديدة للعودة إلى الحياة و السفر للخارج بعد أن تم رفد الرسام لنشاطه السياسي !
ليأتي ذلك العم ليزيد من أوجاع ” عائشة ” و بعد أن حاولت أمها بكل الطرق إبعادها عنه ، يصل إليها و يخبرها أن أمها على مشارف الموت و لا تطلب سوى أن ترى أبنتها الوحيدة … و بسذاجة تصدقه عائشة و تسافر معه لتقع في شره
و يتضح أن الأم قد فارقت الحياة لتأتي عائشة إلى سجنها دون أن تعلم
و يفتعل بها ذاك العم أبشع و أشنع الأفاعيل
حتى تصير حيواناً أليفاً لديه
لتنتقم منه الذئاب في يوم
تلك ” الذئاب ” حراس عائشة المجهولين , دوماً تطاردها الذئاب منذ صغرها و طول الرواية , و تهرب عائشة الى القاهرة ثانية , و لكنها لم تجرأ للعودة إلى منزلها القديم .
و تذهب في بيت من بيوت ” وش البركة ” التي تُعتبر سوقاً لممارسة الدعارة .
و يسلط الكاتب تركيزه على تلك الطبقة المنسية , بائعات الهوى البائسات , و ترفض عائشة أن تنضم إليهم , فقط تقيم فى حجرة بعيدة حتى يأتى لها ” هوارد كارتر ” ثانية .
ذلك الشاب المهوس بالآثار المصرية و هوسه الأكبر في أن يصل لمقبرة ملكية !
و يلح عليها في أن ترافقه إلى الأقصر , ذلك المكان الساحر و البر الغربى , و كأن كارتر كان يريد شخص يشاركه فشله المستمر , ليكتشف فى النهاية
” مقبرة توت عنخ آمون ” .
لم يكتف ” محمد المنسي قنديل ” بذلك العصر , بل رجع إلى الوراء بأكثر من ألاف الأعوام , لعصر ” أخناتون ” , ذلك الملك العظيم الذى نادى بالتوحيد .
و غضبه على الآلهة و الكهنة و مقته الشديد لــ آمون , تلك الحكاية الفرعونية التى يعرفها الجميع , و ربما درسها الكثير و لكنها لم لتخل من جفاء مادة التاريخ .
أختلف الحال بالطبع مع ” المنسي قنديل” , حين كتب عن تاريخ مضى و ملك ضاع و هزم شر هزيمة , ” أخناتون ” ذلك الملك الذى ظل يعانى طيلة حياته .
لم تكن له حبيبة و زوجة سوى “نفرتيتي” الجميلة التى انجبت له من البنات ستة , و لم تنجب له ولى العرش .
ليلاقاه “أخناتون ” اثر عودته من رحلته المجهولة ، أو هروبه من طيبة حين جاذف و سافر إليها متنكراً ليودع والدته الملكة “تي” قبل ذهابها إلى العالم الاخر
ذلك الولد ربيب الذئاب “توت عنخ آتون ” الاصغر من البنات ، تزوج من أبنة ” أخناتون ” الكبرى ” عنخ اسن ” المتمردة الانانية , و يموت أخناتون و يدفن فى مكان مجهول .
و ينتصر ” حور محب ” أخيراً في حربه و يرفع رايات الإله ” آمون ” مرة اخرى , و تهجر مدينة ” أخت أتون ” التى أنشأها الملك ” أخناتون ” .
و ترفض ” نفرتيتي ” ترك مدينة زوجها و تصر على أن تدفن في تلك المدينة بالقرب من زوجها و هكذا حال بناتها ، ماعدا ” عنخ اسن ” التي حملها ” حور محب ” و القائد الحربي رغماً عنها إلى طيبة .
و يتحول أسم ” توت عنخ آتون ” إلى ” توت عنخ آمون ” و يستغرق كل وقته في بناء مقبرته العظيمة … التي يكتشفها اللورد ” كارتر