عاشت هيلين برشاتسكي اليهودية الأصل في مدينة أم الفحم العربية بعد أن تزوجت أحمد جبارين وأسلمت وكتمت لسنوات سر كونها ناجية من المحرقة النازية، ومولودة في معسكر أوشفيتز في بولندا، حتى قررت أخيرا أن تعلم أبناءها وأحفادها بالأمر. وتحمل هيلين برشاتسكي التي تبلغ من العمر 70 عاما أسماء عدة إضافة إلى اسمها الحقيقي هذا، فهي تحمل اسم ليئا في إسرائيل، وليلى جبارين و"أم رجا" بين أهل أم الفحم العربية. وهي ممتلئة ذات بشرة بيضاء وعيون زرقاء وترتدي حجابا وفستانا طويلا محتشما. وصلت هيلين وهو الاسم المحبب إلى قلبها إلى إسرائيل مع عائلتها على متن سفينة للمهاجرين اليهود من يوغوسلافيا عام 1948 وكان عمرها نحو ست سنوات. وانتظرت السفينة في عرض البحر قبالة حيفا لنحو أسبوع لأن البريطانيين كانوا يقصفون مدينة حيفا، كما تتذكر. وقالت هيلين لوكالة الصحافة الفرنسية: "بعد أن وصلنا وضعونا في معسكرات في مدينة بيت ليد (عتليت) وبعد سنتين نقلونا إلى حولون ومن ثم إلى مدينة رمات غان بجانب تل أبيب". وروت هيلين أن والدتها مجرية ووالدها روسي الأصل وقالت: "عندما اعتقلوهما في سجن اوشفيتز كان معهما شقيقاي وكانت حاملا بي. عندما ولدتني أخفاني طبيب أوشفيتز المسيحي في مناشف الحمام، وأخفى والدتي ووالدي وإخوتي وعشنا لثلاث سنوات في طابق تحت الأرض في بيته". وأضافت: "عملت والدتي خادمة في بيت الطبيب داخل معسكر أوشفيتز ووالدي بستانيا في حديقته، وكانا يعودان ليلا للنوم في الطابق الأرضي، وكانت والدتنا تكرر أمامنا أن النازيين يقتلون الأطفال لكن هذا الطبيب أنقذنا". وتابعت: "كانت والدتي تطعمنا أنا وإخوتي خبزا منقوعا بالماء الساخن وأحيانا بالماء المالح، وكانت تخشى علي لأنني كنت ضعيفة ولدت في المعسكر ولم أحصل على أي غذاء حقيقي إلى أن تم الإفراج عنا وتحريرنا عام 1945". وأضافت: "لا زلت أذكر البيجامات المخططة بالأبيض والأسود وصور الضرب في المعسكر. لو كانت صحتي تساعدني لذهبت إلى المعسكر لرؤيته، إنه لأمر مخيف وصعب جدا تذكر هذا المكان الذي عانى منه الناس.. لكنني أصبت بأربع نوبات قلبية". وتتحدث هيلين العربية بلكنة أجنبية وتتحدث العبرية والمجرية وقليلا من الايديش وقليلا من الروسية. واعتنقت هيلين الإسلام عندما بلغ عمر ابنها البكر رجا الـ18 وطلب للخدمة العسكرية بالجيش الإسرائيلي، لأن أبناء الأمهات اليهوديات يصبحن تلقائيا يهودا بحسب القوانين الإسرائيلية.
وقالت هيلين التي أنجبت ثلاثة أبناء وبنتا: "نصحتني والدتي آنذاك بعدم إرسال ابني للخدمة العسكرية لأنه إذا أدى الخدمة ستخدم ابنتي أيضا، وأن أعتنق الإسلام، وبذلك أنقذ ابنتي من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وحتى لا أقع في مشاكل مع عائلة زوجي". وأضافت: "قالت لي والدتي، لن يتقبل المسلمون أن تعيش بنت خارج البيت وفي معسكرات للجيش، وكيف لابني وهو مسلم أن يذهب ليحارب إخوانه المسلمين". وقالت هيلين إنها أخفت آلامها لنحو 52 عاما وحقيقة ماضيها عن أبنائها الثمانية وأحفادها الـ31 بأنها مولودة في اوشفيتز و"ما يعنيه ذلك الماضي المؤلم". وأضافت: "كنت أنتظر اللحظة المناسبة لأكشف لهم ذلك إلى أن حدث الأمر بالصدفة الأسبوع الماضي عندما حضر أحد موظفي المسنين اليهود الذي كشف حقيقتي". وتابعت: "حصلت على معونة 100 مارك الماني في عام 1960 كناجية من المحرقة وكتعويض من الحكومة الألمانية. حاولت الحكومة الإسرائيلية حجب النقود عني لأني تزوجت من مسلم لكن والدي عين لي محاميا وحصلت عليها". وقالت: "كلما حلت ذكرى المحرقة التي تصادف غدا الخميس بحسب التوقيت العبري أبكي لوحدي. ولا توجد كلمات لوصف الألم الذي يحل بي. كيف يأكل الأطفال كسرة خبز يابسة منقوعة بالماء. إذا حدث هذا لأولادي لا أعرف ما يمكن آن يحصل لي". وقال ابن هيلين نادر جبارين (33 عاما): "كانت والدتي تبكي كلما حلت ذكرى المحرقة وتشاهد التلفزيون الإسرائيلي وكل المراسيم المتعلقة بذلك. لم نكن نفهم لماذا. كانت تبكي وتنتحب، وكنا نتركها وحدها في البيت ولم نعرف لماذا كانت تفعل ذلك". وأضاف نادر: "لقد أراحت نفسها وأراحتنا عندما كشفت سرها، سنفهمها الآن أكثر. كانت تجن عندما تحصل حرب أو تفجيرات أو قتل للفلسطينيين أو الإسرائيليين، وتقول لماذا لا يستطيعون العيش معا. أولاد إخوتها يهود إسرائيليون، وأولادها عرب وهي تعيش مقسمة المشاعر فهي تخشى على أبنائها كعرب، وتخشى على أبناء إخوتها اليهود". ومضى نادر يقول: "واجهنا جميعا مشكلة الخدمة في الجيش. فبحسب الديانة اليهودية تبقى المرأة يهودية مهما غيرت دينها ويبقى أولادها يهود. استدعيت للجيش وقلت للضابط : أتريدني أن أقتل إخوتي؟ أنا مسلم لست يهوديا". وأضاف نادر: "واجهت مشكلة عندما أردت الزواج، لأن إسرائيل رفضت تغيير ديانتي في الهوية إلى مسلم لأني مولود لأم يهودية، ورفض الشيخ عقد قراني إلا عندما أعلن إسلامي بالرغم من أني مولود لأب مسلم. فذهبت إلى مدينة الطيبة وأشهرت إسلامي وسجلوني بالهوية مسلم". أما زوجها أحمد فيقول: "هي تعبت في البداية. هربت معي وكانت صغيرة. تزوجنا وكان عمرها 17 عاما وكانت السلطات الإسرائيلية تحضر إلى أم الفحم وتعيدها إلى أهلها في رمات غان ثم تعود هي إلى أم الفحم مرة أخرى". وأضاف: "في البداية قاطعتها عائلتها لمدة عامين، وبعدها صالحوها وكنا نذهب لزيارة والديها إلى أن توفاهما الله، هم وإخوتها". ويرغب أولاد هيلين بإرسالها لأداء شعائر العمرة وفريضة الحج في مكة المكرمة، ويقول ابنها وسام "أريد أن تؤدي والدتي فريضة الحج حتى تموت مسلمة وتدخل الجنة