بين الضحك والبكاء يتجسد الريحاني
نجيب أبو إلياس الريحاني أحد أشهر النجوم المصريين، استطاع أن ينتزع الكوميديا من بين أحضان التراجيديا، فبرز أدائه التمثيلي من خلال شخصية المواطن الذي قهره المجتمع ودارت به الأيام ليحتك بالطبقات العليا ويتعامل معها ويكون محور أساسي في حياتهم بطريق الصدفة، فقدم العديد من الأفلام بهذا الشكل ولكن لم تكن هذه الأفلام تتجسد في شكل درامي بحت بل على العكس تميزت بالكوميديا والطابع الخفيف على الرغم من عمق المضمون الذي تحتويه وتحاول توصيله للجمهور وإن لم تخل تلك الأفلام من المرارة التي قد يشعر بها البطل ويحاول تخفيف حدتها بالسخرية منها ومن المشاكل التي قد تعترضه، هكذا كانت أفلام الريحاني مزيج من الكوميديا والتراجيديا وإن غلبت الكوميديا عليها.
النشأة
ولد نجيب الريحاني عام 1890م في حارة درويش مصطفى بحي باب الشعرية بالقاهرة، وكان الريحاني مزيج من أصول عراقية من طرف والده، وأصول مصرية من طرف والدته، ألتحق الريحاني بإحدى المدارس التي تعلم فيها اللغة الفرنسية، ونظراً لعشقه للفن والتمثيل فقد قام بالالتحاق بالفرقة المسرحية بمدرسته.
توفى والده وهو في الخامسة عشر من عمره، فاضطر للخروج للعمل مبكراً وترك الدراسة، وجاءت للريحاني فرصة للعمل في بنك التسليف الزراعي، وهناك تعرف على عزيز عيد وكان بين الاثنان عامل مشترك وهو حبهم للفن فكانا يشتركان ببعض الأدوار كومبارس في بعض المسرحيات التي تقام في دار الأوبرا، كما أشترك معاً بعد ذلك في عدد من الأعمال.
البداية الفنية
انجذب الريحاني للعمل الفني والمسرحي مما جعله يهمل عمله في بنك التسليف الأمر الذي أدى إلى فصله في نهاية الأمر، تنقل الريحاني بعد ذلك بين العديد من الفرق المسرحية حيث كان يشارك ببعض الأدوار الصغيرة في مسرحيات الهواة وغيرها، إلى أن أنضم إلى فرقة إسكندر فرح ثم ما لبث أن تركها وأصبح متنقلاً بين الفرق المختلفة، حتى قرر أن يخوض في هذا المجال بجدية أكثر فعمل على بدء فرقة خاصة به فقام بإنشاء مسرح بسيط يقدم عليه أعماله، وكانت أولى الأعمال المقدمة على هذا المسرح الصغير مسرحية بعنوان "خلي بالك من إبليس"، ولم تستمر هذه التجربة كثيراً حيث عاد مرة أخرى للعمل في الفرق الأخرى.
وأخذ الريحاني يتنقل بين الفرق ويسعى من أجل الفن فقام بتكوين فرقة مع الممثل سليمان حداد، وقدمت العروض المسرحية الخاصة بها على مسرح إسكندر فرح بشارع عبدالعزيز، وكانت هذه العروض تتمثل في المسرحيات المترجمة من الفرنسية مثل " ضربة مقرعة، الابن الخارق للطبيعة، ليلة الزفاف" وغيرها من المسرحيات الأخرى، ولم تحقق هذه الفرقة النجاح المطلوب، فانتقل الريحاني للإسكندرية من أجل العمل مع فرقة أخرى وكانت هذه المرة فرقة سليم عطا الله، وحقق الريحاني نجاحاً ملحوظاً أثني عليه العديد من الفنانين والأدباء وذلك من خلال تقديمه لدور شارلمان الأول في مسرحية تحمل هذا الاسم، وعلى الرغم من النجاح الهائل الذي حققه في دوره إلا أن سليم عطا لله ما لبث أن استبعد الريحاني من الفرقة.
طموحات وعقبات
بعد أن ترك الريحاني فرقة عطا الله عاد مرة أخرى إلى القاهرة حيث نجح خاله في تعيينه في شركة السكر بنجع حمادي ليبدأ العمل مرة أخرى في وظيفة حكومية وبعيداً عن الفن، ولكن هيهات أن يستقر الريحاني في عمل فما لبث أن طرد من الشركة ليعود للقاهرة ثانية هائم على وجه لا يعرف كيف يبدأ ومن أين.
التقى الريحاني بعد ذلك بالكاتب محمود صادق سيف، والذي اشترك مع الريحاني في ترجمة إحدى الروايات الفرنسية إلى العربية مقابل مبلغ مالي معين تم الاتفاق عليه، ثم قام الريحاني بترجمة عدد من الروايات الفرنسية الأخرى لفرقة أحمد الشامي، وبشكل أو بأخر عاد الريحاني لعشقه الأول وهو المسرح فعمل مترجماً وممثلاً، إلى أن تم صدور قرار بعودته مرة أخرى لشركة السكر بنجع حمادي.
مرحلة فنية محضة
على الرغم من عمل الريحاني في شركة السكر إلا أن هذا لم يرضيه أبداً فكان الفن، والعمل المسرحي كثيراً ما يراوده ويداعب خياله وفي هذه الفترة بدأ الاهتمام بالفن، والتمثيل كما ظهرت العديد من الفرق المسرحية وصاحب ذلك عودة جورج أبيض وتكوينه لأحد الفرق بدوره، وقرر الريحاني التوجه من أجل تجربة حظه الفني مرة أخرى، فحصل على إجازة من الشركة وعاد إلى القاهرة وكانت لهذه العودة بالغ الأثر على الريحاني الذي قرر أن يخطو في سبيل الفن وما لبثت الشركة أن استغنت عنه مرة أخرى فعاد للقاهرة بشكل نهائي من أجل خوض التجربة الفنية مرة أخرى.
بعد العودة أنضم الريحاني إلى فرقة سلامة حجازي وجورج أبيض وقدم معهم بعض الأعمال المسرحية، إلا أن الفرقة استبعدته بعد حين، وقرر الريحاني إنشاء فرقة خاصة به ضمت العديد من الممثلين مثل أمين صدقي، إستيفان روستي، حسن فايق وغيرهم واقترضوا مبلغاً من المال من أجل البدء في مشروعهم، وعرفت الفرقة باسم "الكوميدي العربي" والتي قدمت عروضها على مسرح دار التمثيل العربي، ثم انتقلت منه إلى مسرح الشانزلزيه في الفجالة، وكانت هذه الفرقة هي مرحلة الانطلاق الفعلية للريحاني، وما لبثت أن انضمت للفرقة منيره المهدية التي حققت المزيد من النجاح للفرقة، ولكن على الرغم من البداية القوية للفرقة إلا أن الضعف بدأ يتسلل إليها، وانفصل الريحاني عن الفرقة.
"كشكش بيه" ينقذ الريحاني
ابتكر الريحاني إحدى الشخصيات المسرحية والتي كانت السبب في عودته القوية إلى المسرح فحققت له النجاح وعرف بها بعد ذلك وكانت هذه الشخصية هي شخصية "كشكش بيه"، والتي قام بتقديمها على أحد المسارح ولاقت نجاحاً باهراً مما جعل مدير الفرقة يزيد أجره أكثر من مرة، كما زادت هذه الشخصية من شعبية الريحاني، وبدأ في كتابة المسرحيات بشكل أسبوعي لبطلها كشكش بيه وحظيت جميعها بنجاح منقطع النظير.
أنتقل الريحاني بعد ذلك إلى مسرح الرينسانس وقدم على خشيته مسرحية " أبقى قابلني"، ومنه انطلق هو كشكش بيه إلي باريس حيث عرض مسرحياته هناك، وبعد العودة لمصر قام الريحاني بإنشاء مسرح " الأجيبسيانة" مع شريك له اسمه ديموكنجس وبدأ المسرح في نشاطه في 17 سبتمبر 1917، وانضم إليه حسين رياض وبدأ الريحاني يخطو خطوات ثابته في مسرحه الجديد الذي قدم عليه العديد من المسرحيات والتي عكف على التأليف والتمثيل والإخراج فيها، وعمل مع الريحاني أثناء ذلك مع كل من الكاتبين أمين صدقي ، وبديع خيري، وقدم مسرحه عدد من المسرحيات مثل: " أم أحمد"، " حمار وحلاوة"، " على كيفك" .
وكان التنافس السائد دائماً بين كل من مسرح الريحاني ومسرح على الكسار فكل منهما يحاول أن يتفوق على الأخر ويقدم كل ما هو جديد، وجاء انضمام سيد درويش للفرقة ليزيد من نجاحها فقدما معاً مسرحية "ولو" التي حققت نجاحاً باهراً، ثم مسرحية " قِسَم" والتي شارك فيها كل من الريحاني وبديع ودرويش والتي تفوقت على الأولى واكتسحت محققة أرباح خيالية، وبدأ يسود الجو الوطني على مسرحيات الريحاني.
ونظراً للنجاح الساحق الذي حققه الريحاني وحرصه دائماً من أجل التطوير وتقديم العروض الجيدة ذات المستوى العالي، توافد على مسرح الريحاني جمهور خاص من المثقفين والسياسيين وعلية القوم، وبدأ الريحاني أخيراً في أخذ وضعه كممثل قدير تمكن من تحقيق النجاح بعد الجهد الشاق وأيام من المعاناة.
وجاء بعد ذلك أوبريت "العشرة الطيبة" الذي اشترك فيه كل عزيز عيد مخرجاً وسيد درويش مترجماً، كالمسرحيات السابقة للريحاني فقد حقق هذا الأوبريت نجاحاً كبيراً.
صعود وهبوط
بعد العديد من النجاحات التي حققها الريحاني أصابه الانهيار تدريجياً فتعرض لعدد من الازمات المادية والمعنوية، إلا انه أبى الاستسلام فقام بالاتفاق مع بديعة مصابني لتنضم إلي فرقته مما أدى إلي أنعاش مسرح الريحاني مرة أخرى فقدما عدد من المسرحيات مثل " الشاطر حسن، أيام السفر" وغيرها، كما قدم الريحاني عدد من المسرحيات الأخرى مثل " البرنسيس، الفلوس، لو كنت ملك، مجلس الأنس" وغيرها.
وكما اشترك الريحاني مع بديعة مصابني في المسرح اشتركا أيضاً في الحياة حيث تم الزواج بينهم، ولكن لم يصمد هذا الزواج فتم الطلاق بعد عدد من الخلافات.
واستمر الريحاني في جولاته وصولاته الفنية ما بين صعود وهبوط وتكوين فرق وحل أخرى وخلال كل هذا قدم العديد من المسرحيات بعضها ما وجد إقبالا شديداً والبعض الأخر قوبل بالرفض من الجمهور خاصة عندما حاول الريحاني تقديم التراجيديا.
مشوار الريحاني الفني
فيلم غزل البنات
تمكن الريحاني من التقرب للجمهور البسيط من خلال محاولاته المستمرة من تقديم مشاكلهم ومحاولة تقديم الحلول لها، والتعرض لسلبيات المجتمع وعلى الرغم من الطابع الكوميدي لهذه المسرحيات إلا أنها كانت تحمل بداخلها العديد من القضايا والمعاني المهمة نذكر من مسرحيات الريحاني الجنيه المصري، الدنيا لما تضحك، الستات ميعرفوش يكدبوا، لو كنت حليوة، يا ما كان في نفسي، الدنيا على كف عفريت، حكم قراقوش هذه المسرحية التي ينتقد فيها الحكم الملكي.
قدم الريحاني عدد من الأعمال السينمائية وإن كانت أعماله المسرحية كانت أكثر قوة، ومن الأعمال السينمائية التي قام بتقديمها نذكر فيلم صاحب السعادة كشكش بيه عام 1931م، وتبعه بفيلم حوادث كشكش بيه، ثم فيلم ياقوت عام 1934، وفي عام 1936قدم فيلم بسلامته عايز يتجوز، ولم تكن هذه الأعمال السينمائية الأولي للريحاني على قدر كبير من الجودة الفنية، ولكن بدأت أفلامه في النهوض من عثرتها أخيراً عندما قدم فيلم سلامة في خير من إخراج نيازي مصطفى، ثم تبعه فيلم سي عمر في عام 1941م، وتوالت بعد ذلك الأعمال السينمائية للريحاني فقدم لعبة الست، أحمر شفايف، أبو حلموس، ثم فيلم غزل البنات الذي ضم العديد من نجوم هذا العصر من ليلى مراد، وأنور وجدي ويوسف وهبي، سليمان نجيب وغيرهم العديد من النجوم.
نهاية كشكش بيه
جاءت وفاة الريحاني صدمة للكثيرين فتوفى الريحاني في السابع من يونيو عام 1949م بعد أن قدم أخر أعماله فيلم غزل البنات، حيث أصيب بمرض التيفود الذي كان سبباً في وفاته ، توفى الريحاني بعد رحلة شاقة مر بها من أجل أن يثبت فنه وقدرته العالية في التمثيل، فكان مثلاً للممثل المجتهد الذي سعى بكل الطرق من أجل تقديم كل ما هو جيد مضموناً وفناً، فغلف التراجيديا بغلاف الكوميديا التي لعبت في النطاق المحدد لها فلم تتجاوزه فقدم فناً محترماً بعيداً عن الابتذال والكوميديا المفتعلة.
الرصيد الفني
فيلم سي عمر
قدم الريحاني العديد من الاعمال الفنية الرائعة والتي تجسدت فيه قدرته الرائعة في المزج بين التراجيدية والكوميدية نذكر من مسرحياته الكوميدية : تعاليلي يا بطة، بكره في المشمش، كشكش بيك في باريس، وصية كشكش بيك، الجنيه المصري، الدنيا لما تضحك، لو كنت حليوة، والأعمال التراجيدية: خلي بالك من إيميلي، ريا وسكينة، الأوبريتات الغنائية: ولو، أش، العشرة الطيبة، الشاطر حسن، أيام العز، من أفلامه: حوادث كشكش بيه، ياقوت، بسلامته عايز يتجوز، سلامة في خير، سي عمر، لعبة الست، أحمر شفايف، أبو حلموس، غزل البنات.
محيط