أقوال العلماء في لحم الخنزير :
قال الطبري - رحمه الله - :
أمّا لحم الخنزير : فإن ظاهره كباطنه ، وباطنه كظاهره ، حرام جميعه ، لم يخصص منه شيء .
" تفسير الطبري " ( 9 / 493 ) .
وقال القرطبي - رحمه الله - :
وقوله تعالى : ( وَلَحْم الخنزير ) خص الله تعالى ذكر اللحم من الخنزير : ليدل على تحريم عينه ، ذُكّي ، أو لم يُذكَّ ، وليعم الشحم , وما هنالك من الغضاريف ، وغيرها .
وقال – رحمه الله - :
أجمعت الأمّة على تحريم شحم الخنزير .
وقد استدل مالك وأصحابه على أن من حلف ألا يأكل شحماً : فأكل لحماً : لم يحنث بأكل اللحم .
فإن حلف ألا يأكل لحماً فأكل شحماً : حنث لأن اللحم مع الشحم يقع عليه اسم اللحمر، فقد دخل الشحم في اسم اللحم ، ولا يدخل اللحم في اسم الشحم .
وقد حرم الله تعالى لحم الخنزير فناب ذكر لحمه عن شحمه ؛ لأنه دخل تحت اسم اللحم .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 222 ) .
وقال ابن المنذر - رحمه الله - :
أجمع أهل العلم على أن بيع الخنزير ، وشراءه محرم .
وأجمعوا على تحريم ما حرم الله من : الميتة ، والدم ، والخنزير.
"الإجماع" (30)
وقال ابن حزم الظاهري - رحمه الله - :
لا يحل أكل شيء من الخنزير , لا لحمه , ولا شحمه , ولا جلده , ولا عصبه , ولا غضروفه , ولا حشوته , ولا مخه , ولا عظمه , ولا رأسه , ولا أطرافه , ولا لبنه , ولا شعره ، الذكر والأنثى، والصغير والكبير سواء ، ولا يحل الانتفاع بشعره ، لا في خرز , ولا في غيره .
" المحلى " ( 11 / 86 )
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
والخنزير أشدُّ تحريماً من الميتة ؛ لأن فيه مضار كبيرة ، وهو ينقل أمراضاً لجسم الإنسان ، وأيضاً : له تأثير سيء على العفة ، والغيرة على الأعراض .
" زاد المعاد " ( 5 / 675 ) .
رابعاً:
نصوص أهل الكتاب على تحريم الخنزير واستخباثه
وفي التوراة والإنجيل التي بأيدي أهل الكتاب : نصوص ظاهرة في استخباث الخنزير، وتحريم أكله .
ففي كتاب العهد القديم :
1. " والخنزير ؛ لأنه يشق ظلفاً ، ويقسمه ظلفين ، لكنه لا يجتر ، فهو نجس لكم ، من لحمها لا تأكلوا ، وجثثها لا تلمسوا ، إنها نجسة لكم " .
" سفر اللاويين " ( 11 : 1 – 8 ) .
2. " لا تأكل رجساً ما . هذه البهائم التي تأكلونها ... لا تشق ظلفًا فهي نجسة لكم .
" سفر التثنية " ( 14 : 3 - 8 ) . وفي العهد الجديد :
1. " لا تعطوا القدس للكلاب ، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير " .
" إنجيل متى ( 67 ) .
2. " قد أصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد إلى قيئه ، وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة " .
" رسالة بطرس الرسول الثانية ( 2 : 22 ) .
3. " وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى . فطلب إليه كلُّ الشياطين قائلين : أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها . فأذن لهم يسوع للوقت ، فخرجت الأرواح النجسة ، ودخلت في الخنازير " .
" إنجيل مرقس " ( 5 / 11- 13 ) .
خامساً:
الحكمة من تحريم لحم الخنزير
1. الأصل أن الله تعبدنا بأحكام سواء عرفنا حكمته أم لا , ومع ذلك فإذا التمس العاقل الحكمة في النهي وجدها بينة .
سئل علماء اللجنة الدائمة عن الحكمة في تحريم أكل لحم الخنزير ؟ .
فأجابوا :
إن الله قد أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء رحمةً ، وحكمةً ، وعدلاً ، فهو سبحانه عليم بمصالح عباده ، رحيم بهم ، حكيم في خلقه وتدبيره وشرعه ، فأمرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة ، وأحل لهم ما ينفعهم من الطيبات ، وحرم عليهم ما يضرهم من الخبائث ، وقد حرم الله أكل الخنزير ، وأخبر بأنه رجس ، قال تعالى : ( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) الأنعام/ 145 الآية ، فهو إذاً من الخبائث ، وقد قال تعالى : ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) الأعراف/ 157 , وقد ثبت بالمشاهدة أن غذاءه القاذورات ، والنجاسات ، وأنها أشهى طعام إليه ، يتتبعها ، ويغشى أماكنها ، وقد ذكر أهل الخبرة أن أكله يولد الدود في الجوف ، وأن له تأثيراً في إضعاف الغيرة ، والقضاء على العفة ، وأن له مضارّاً أخرى ، كعسر الهضم ، ومنع بعض الأجهزة من إفراز عصارتها لتساعد على هضم الطعام ، فإن صح ما ذكروا : فهو من الضرر ، والخبث الذي حرم من أجله ، وإن لم يصح : فعلى العاقل أن يثق بخبر الله ، وحكمه فيه ، بأنه رجس ، ويؤمن بتحريم أكله ، ويسلم الحكم لله فيه ، فإنه سبحانه هو الذي خلقه ، وهو أعلم بما أودعه فيه ، ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) المُلك/ 14 .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 274 ، 275 ) .
2. ثبت أن للطعام المتناول تأثيراً على الطباع البشرية .
يقول الفخر الرازي - رحمه الله - :
قال أهل العلم : الغذاء يصير جزءاً من جوهر المغتذي ، فلابد أن يحصل له أخلاق ، وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء ، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ، ورغبة شديدة ، في المشتهيات ، فحرم أكله لئلا يتكيف بتلك الكيفية .
" تفسير الرازي " ( 5 / 462 ) .
وقال ابن كثير - رحمه الله - :
وقال بعض العلماء : كل ما أحل الله تعالى : فهو طيب ، نافع ، في البدن والدّين ، وكل ما حرمه : فهو خبيث ، ضار ، في البدن والدّين .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 488 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
الغاذي شبيه بالمغتذى ، في طبعه ، وفعله , وهذا كما أن حكمة الله سبحانه في خلقه فيه جرت حكمته في شرعه ، وأمره ؛ حيث حرم الأغذية الخبيثة على عباده لأنهم إذا اغتذوا بها صارت جزءا منهم ، فصارت أجزاؤهم مشابهة لأغذيتهم ؛ إذ الغاذي شبيه بالمغتذي ، بل يستحيل إلى جوهره ؛ فلهذا كان نوع الإنسان أعدل أنواع الحيوان مزاجاً لاعتدال غذائه , وكان الاغتذاء بالدم ولحوم السباع : يورث المغتذي بها قوة شيطانيّة ، سبعيّة ، عاديَة على الناس ، فمن محاسن الشريعة : تحريم هذه الأغذية ، وأشباهها ، إلا إذا عارضها مصلحة أرجح منها ، كحال الضرورة , ولهذا لما أكلت النصارى لحوم الخنازير : أورثها نوعاً من الغلظة ، والقسوة , وكذلك مَن أكل لحوم السباع ، والكلاب : صار فيه قوتها , ولمّا كانت القوة الشيطانية عارضة ، ثابتة ، لازمة لذوات الأنياب من السباع : حرّمها الشارع , ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل : أمرَ بكسرها بالوضوء لمَن أكل منها , ولمّا كانت الطبيعة الحمارية لازمة للحمار : حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية , ولما كان الدم مَرْكب الشيطان ، ومجراه : حرَّمه الله تعالى تحريماً لازماً .
فمَن تأمل حكمة الله سبحانه في خلقه ، وأمره , وطبق بين هذا وهذا : فتحا له باباً عظيماً من معرفة الله تعالى ، وأسمائه ، وصفاته .
" التبيان في أقسام القرآن " ( ص 232 ) .
وقال ابن خلدون - رحمه الله - :
أكلت الأعراب لحم الإبل : فاكتسبوا الغلظة ، وأكل الأتراك لحم الفرس : فاكتسبوا الشراسة ، وأكل الإفرنج لحم الخنزير : فاكتسبوا الدياثة .