في لقاء تلفزيونيٍّ مع أحد المفكِّرين الكبار، وكان ذا صوت جهوريٍّ وبسطةٍ في الجسم ودقةٍ في الفهم, سأله المُحاوِر عن سرِّ نجاحِه في علاقاتِه عمومًا، والأُسريَّة خصوصًا؟
فأجاب: «في الحياة كلها، إنْ أردتَ أنْ تسعَد وتنجوَ من الأمراض والأوجاع والسَّهَر الطَّويل وأنْ تكسِب في كلِّ علاقاتِكَ ومن ضمنِها علاقتُكَ مع شريكِكَ... فقط: كبّر دماغَكَ!» وما زاد عليها بشيء!
وبصراحة، اختصرَ هذا الحكيمُ كلَّ الوصفاتِ، واختزلَ كلَّ الوسائل، وكأنَّ اللهَ آتاه جوامعَ الكَلِم في هذا الموقف!
ولن أنسى ذاتَ يومٍ كنتُ أسيرُ في شارع ضيِّق، تقابلَت سيارتان وجهًا لوجهٍ، وكان لزامًا أنْ يعود أحدُهما للخلف!
تلاسَنا في البداية؛ فكلٌّ منهما يرى أنَّ الحقَّ له، وأنَّ الآخَرَ هو الذي لا بدَّ أنْ يعود للخلف!
حاولتُ التقريبَ في وجهة النظر، وتلمُّس الأعقَلَ، وللأسف ما وجدتُ فيهما عاقلًا! فما كان مِنِّي إلا أوقفْتُ سيارتي في موقف قريب، وذهبتُ ماشيًا حتى يعود أحدُهما لرُشدِه وبعد ساعتيْن عدتُ فماذا رأيتُ؟ حدثَ ما لم يخطُر في بالٍ، ولا يجرِ في حسبانٍ!
كان كلا الشخصيْن جالساً فوق (كبُّوت) سيارتِه! مشهدٌ يمثِّل كوميديا سوداءَ!
• (كبّر دماغَكَ) إنْ أردتَ أنْ تعيشَ بروح هانئةٍ، ونفسٍ مطمئنةٍ، وقلبٍ مرتاحٍ.
• (كبّر دماغَكَ) إنْ أردتَ أنْ تسيرَ الأمورُ ولا تتوقف, إنْ أردتَ ألَّا تشتِّتَ أُسرتَكَ وألَّا تفقد ممتلكاتِكَ الأسريةَ وما بنيتَه!
• (كبّر دماغَكَ) إنْ أردتَ أنْ يحترمَكَ الناسُ ويقدِّرَك مَن حولك.
• (كبّر دماغَكَ) إنْ أردتَ أنْ تحظى بالمناصب، وأنْ تفوزَ بالفُرَص!
• (كبّر دماغَكَ) تعني... أنْ تتعامل أحياناً مع شريك حياتِكَ أحيانًا كطفل لا يعي كثيرًا؛ لذا فأنت تفتعل انسحابًا تكتيكيًّا لاحتوائه!
• (كبّر دماغَكَ) بعدم إعطاء الأمور التافهة، والأشخاص التافهين قدرًا من تفكيرِكَ أو وقتِكَ.
• (كبّر دماغَكَ) بالمرونة الفكرية، وعدم العناد والإصرار على الرأي.
• (كبّر دماغَكَ) بأنْ تتنازلَ عن موقفِكَ لمصلحة أكبر.
• (كبّر دماغَكَ) تعني... أنْ تتعامل مع الآخرين بسعة بالٍ، ورحابة صدرٍ، وأنسٍ.
• (كبّر دماغَكَ) بالتغافل وعدم التوقُّف عند كلِّ محطَّة.
• (كبّر دماغَكَ) ولا تُطارِد كلَّ صغير يُلقي عليك بحجَرٍ أو يرمي عليك كلمةً.
• (كبّر دماغَكَ) بعدم التواجد في ساحاتِ النِّزاع والخلاف والأمور التَّافهةِ.
• (كبّر دماغَكَ) بالتغافُل والتَّعامي المحمود وكأنك لم ترَ ولم تسمَعْ.
تأمَّل في ردِّ الكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام على إخوته بعد جملة استفزازية تجرح القلب, جملة مؤذية، تحمِل إهانةً واعتداءً عليه، فقالوا: {إِن يَسْرِقْ } هذا الأخ، فليس هذا غريباً منه,{فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} يَعنُونَ: يوسفَ عليه السلام، وفي هذا من الغمز عليهما ما فيه، ومع هذا نجد تعامُلَ يوسف- عليه السلام- تعامُلًا بلغ الغايةَ في الأدب، واللُّطف والمُداراة فوصفَه الله بقوله {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } ولم يردّ عليهم على خلافِ ما يفهمه كثيرٌ من النَّاس من هذا الصَّنيع بكونه ضَعفًا وخورًا، بل ذكرَه اللهُ في كتابه ثناءً على يوسفَ - عليه السلام- لم يتفاعَل مع لمْزِهِم وماضيهم الأسودِ رغم القدرةِ الكاملة عليهم, وتلك هي أخلاقُ النُّبلاء.
جحدتُّها وكتمتُ السَّهمَ في كَبِدي
جرحُ الأحِبَّةِ عندي غيرُ ذي ألَمٍ
وعمرُ بنُ عبدالعزيز عندما عثُرَ بقدَم ذلك الشَّخص النَّائم في المسجد، والذي قام فزعًا ناهرًا الخليفة بقوله «أمجنونٌ أنت!» قال له عمرُ: «لا!» ... سؤالٌ وجوابٌ وانتهيْنا!
(كبّر دماغَكَ) منهجٌ سلوكيٌّ مُهِمٌّ، وأسلوبٌ حياتيٌّ جميلٌ، تسيطر فيها على الأمور وتعلو فيها على الصّغائر!