«حواريّة الوضوء»
حوار بين اب وابنه نقلته لكم
عن الوضوء سأحدّثك اليوم ـ قال أبي ـ ، وسأحدثك بعده عن الغسل والتيمّم. فقلت في نفسي: نحن اِذن على باب أول مطهِّر لجسد سلب منه «حدثٌ ما» طهارته.
ورحت استذكر على عجل نماذج مما «يحدث» فيسلب طهارة جسدٍ كان متنعماً قبل ذلك بنقائه مكسوّاً ببياض طهارته.
وحين تم لي ذلك التذكر، وطاوع ذاك الاسترجاع، عدت فسألت نفسي. تُرى لماذا أتطهّر بالوضوء؟ ثمّ عنّ لي أن أنقل هذا التساؤل الى أبي مادام هو أمامي الاَن.
ولماذا نتوضّأ؟
ـ حتى نصلّي.. مثلاً.
حتى نطوف حول بيت الله الحرام في الحج أو العمرة، مثلاً.
حتى يجوز لنا مسّ كتابة القرآن الكريم [واسمائه تعالى وصفاته الخاصّة به «كالرّحمن والخالق»]، مثلاً.
أتوضّأ بالماء طبعاً.. ولكن هل من شروط في الماء الذي أتوضّأ به؟
ـ نعم.
1 ـ أن يكون الماء طاهراً، وأعضاء وضوئك كلّها طاهرة. ويكفي أن يكون غَسلُها للوضوء تطهيراً لها فيما لو كان الماء معتصماً.
2 ـ أن يكون مباحاً غير مغصوب، وكذلك المكان الذي تتوضّأ فيه.
وينبغي أن تعرف أن المقصود من اشتراط اباحة المكان انّه اذا انحصر الوضوء بالمكان المغصوب سقط عنك وجوب الوضوء، وعليك أن تتيمّم لكنّك لو خالفت وتوضأت في المكان المغصوب صحّ وضوؤك وان كنت آثماً.
3 ـ أن يكون مطلقاً غير مضاف، كماء الاسالة، وماء الكأس الذي تشربه، لا ماء الرمّان ـ مثلاً ـ.
وكيف أتوَضّأ..؟
ـ بعد أن تنوي الوضوء تقرّباً الى الله تعالى تبدأ: ـ
أوّلاً: تغسل وجهك من منبت الشّعر أعلى الجبهة الى الذّقن طولاً، وما دارت عليه الابهام والاِصبع الوسطى عرضاً. فاذا فتحت كفّك على سعتها ووضعتها على وجهك فكل ما استوعبته كفّك ما بين طرف الابهام وطرف اصبعك الوسطى فهو ما تغسله من عرض وجهك.
مع ملاحظة [أن تغسل وجهك مبتدئاً من أعلاه الى أسفله] من دون حاجة الى تخليل الشعر الكثيف.
ثانياً: تغسل يديك من المرفق الى أطراف الاصابع مبتدئاً باليد اليمنى ثمّ اليسرى غاسلاً من أعلى المرفق ونازلاً الى أطراف أصابعك منتهياً بأصابعك دائماً.
وما المرفق؟
ـ مجمع عظمي العضد والذراع.
ثالثاً: تمسح مقدّم رأسك ويرجّح أن يكون بباطن كفّك اليمنى وأن تبدأ المسح من الاَعلى الى الاَسفل ويجزيك أن تمسح على الشعر المختص بالمقدّم ولا يجب المسح على البشرة.
رابعاً: تمسح رجليك ما بين أطراف الاَصابع ومفصل الساق ويرجّح ان تمسح رجلك اليمنى بنداوة كفّك اليمنى ورجلك اليُسرى بنداوة كفّك اليسرى ولا يجوز المسح بماء جديد [كما لا يجوز تقديم الرجل اليسرى على اليمنى في المسح].
ولاحظ في وضوئك ما يلي:
أ ـ الترتيب، تغسل وجهك قبل يدك اليمنى، ويدك اليمنى قبل يدك اليُسرى، وتمسح رأسك قبل مسح رجليك.
ب ـ الموالاة: ويُقصد بها التتابع العرفي بين أفعال الوضوء، ويكفي في الحالات الطارئة، كنفاد الماء أو النسيان ان يكون الشروع في غَسل العضو اللاحق أو مسحه قبل أن تجف الاعضاء السابقة عليه فان جفّت جميعها بطل الوضوء، وتجدر الاشارة الى أنّه لا يضرّ الجفاف لو كان مسببه الرّياح أو الحرّ أو التجفيف اذا كان التتابع العرفي متحقّقاً.
جـ ـ المباشرة، بأن تتوضّأ بنفسك اِن أمكنك ذلك.
واذا لم يمكنّي ذلك؟
ـ اذا لم تستطع، يمكن أن يوضئك غيرك، فيرفع يدك ويغسل بها وجهك، ثمّ يغسل بها يديك، ويمسح بكفِّك اليمنى رأسك، ثم بكفيك رجليك بنداوة يديك.
د ـ أن لا يكون هناك حائل يمنع وصول ماء الوضوء الى البشرة كالصبغ والصمغ وطلاء الاَظافر للنساء وغيرها، علماً بأن الدسومة لا تضر ولا تحجب.
هـ ـ أن لا يكون هناك سبب يمنعك من استعمال الماء كالمرض، واِلاّ وجب عليك التيمّم بدلاً من الوضوء.
اذا توضأت ثم جاء وقت صلاة اُخرى فهل عليّ أن أجدّد الوضوء؟
ـ لا ما لم ينتقض وضوؤك.
وكيف ومتى ينتقض وضوئي؟
ـ نواقض الوضوء ونواسخه سبعة: خروج البول، والغائط، والريح، والنّوم، وكل ما يزيل العقل كالاغماء والسكر والاستحاضة القليلة والمتوسطة «راجع حواريّة الاستحاضة»، والجنابة.
ثم لمعت عينا أبي فحدست أن قاعدة ما أو قواعد بدأت تلملم خيوطها في ذهنه فصدَّق الواقع حدسي.
هاهو ذا أبي يقول: سأختتم حواريّتي بقواعد عامة عن الوضوء تنفعك..
القاعدة الاولى: كل من توضّأ ثمّ شك بعد ذلك هل انتقض وزال وضوؤه بأحد النواقض السبعة الماضية أو بقي على طهارته، فهو باق على طهارته. على وضوئه.
مثلاً.؟
ـ توضّأت صباحاً أنت متأكّد من ذلك الاَن، وحين حلّ وقت صلاة الظهر أردت أن تصلّي، فشككت هل دخلتَ المرافق بعد وضوئك فانتقض وضوؤك أم لم تدخلها فبقيت على طهارتك، حينئذٍ تقول: أنا متوضئ، وتُصلي.
القاعدة الثانية: كل من لم يتوضّأ أو توضّأ وانتقض وزال وضوؤه. ثمّ شك بعد ذلك هل توضّأ ثانية أو لم يتوضّأ؟ فهو غير متوضّئَ.
مثلاً.؟
ـ استيقظت من نومك صباحاً، وحين حلّ وقت صلاة الظهر أردت أن تصلي، فداهمك الشَّكّ، تُرى هل توضّأت بعد استيقاظي من نومي أو لم أتوضّأ؛ حينئذٍ تقول اِنّي غير متوضئ فتتوضّأ وتصلّي.
القاعدة الثالثة: كل من توضّأ وانتهى من وضوئه، ثم شكّ في صحة وضوئه بعد فراغه منه، فوضوؤه صحيح.
مثلاً.؟
ـ توضّأت مثلاً وانتهيت من وضوئك، ثمّ شككت بعد ذلك، تُرى هل غسلت وجهي أم لم أغسله؟ أو هل غسلي لوجهي كان صحيحاً أم لا؟ حينئذٍ تقول: وضوئي صحيح.
واذا شككت في مسح الرجل اليُسرى؟
ـ تعيد مسحها اِلاّ اذا كنت قد دخلت في عمل آخر بدأت بالصلاة مثلاً أو حدث الشك بعد فوت الموالاة فانك لا تعتني بالشك حينئذٍ.