أكد الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، أن اجتماع العيد والجمعة فى يوم واحد وهل يسقط وجوب الجمعة حينئذ؟ هى مسألة خلافية بين العلماء بناء على اختلافهم فى تصحيح الأحاديث والآثار الواردة فى ذلك من جهة، وفيما تدل عليه من جهة أخرى، فمن ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وابن ماجة والحاكم عن إياس بن أبى رملة الشامى قال: شهدت معاوية بن أبى سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم رضى الله عنهم: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيدين اجتمعا فى يوم؟ قال: نعم، قال كيف صنع؟ قال : صلى العيد ثم رخص فى الجمعة فقال "من شاء أن يصلى فليصل"..
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال " قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون".
و فى رده حول ما إذا كانت صلاة الجمعة تسقط إذا جاء العيد يوم الجمعة ويكتفى بصلاة العيد عنها؟ وهل يسقط الظهر إذا جاء العيد يوم جمعة، أضاف جمعة أنه من العلماء من ذهب إلى أن أداء صلاة العيد لا يرخص فى سقوط الجمعة مستدلين بأن دليل وجوب الجمعة عام لكل أيامها، وأن كلا منهما شعيرة قائمة بنفسها لا تجزئ عن الأخرى، وأن ما ورد فى ذلك من الأحاديث والآثار لا يقوى على تخصيصها لما فى أسانيدها من مقال، وهذا مذهب الحنفية والمالكية. وذهب الإمام أحمد - وهو وجه عند الإمام الشافعى - إلى سقوط وجوب الجمعة عن من صلى العيد مع وجوب الظهر عليه حينئذ أخذا بالأحاديث والآثار السابقة.
أما الجمهور - ومنهم الإمام الشافعى فى الأصح - فذهبوا إلى وجوب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن أهل القرى الذين تحققت فيهم شروط وجوبها لما فى إلزامهم بأدائها مع العيد من المشقة والحرج، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك فى الموطأ أن عثمان بن عفان رضى الله عنه قال فى خطبته : " إنه قد اجتمع لكم فى يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له"، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان إجماعا سكوتيا، وعلى ذلك حملوا أحاديث الرخصة فى ترك الجمعة لمن صلى العيد.
وأشار إلى أن الأمر فى ذلك واسع ما دامت المسألة خلافية ولا يعترض بمذهب على مذهب، فتقام الجمعة فى المساجد عملا بالأصل والأحوط، ومن كان يشق عليه حضور الجمعة أو أراد الأخذ بالرخصة فيها تقليدا لقول من أسقط وجوبها بأداء صلاة العيد فله ذلك بشرط أن يصلى الظهر عوضا عنها من غير أن يثرب على من حضر الجمعة أو ينكر على من أقامها فى المساجد أو يثير فتنة فى أمر وسع سلفنا الخلاف فيه.
وأما سقوط الظهر اكتفاء بالعيد، أكد المفتى أن جمهور الأمة سلفا وخلفا قالوا أن الجمعة إذا سقطت لرخصة أو عذر أو فوات وجبت صلاة الظهر عوضا عنها، وروى عن عطاء أن الجمعة والظهر معا يسقطان بصلاة العيد ودليله ما رواه أبو داود عنه قال : صلى بنا ابن الزبير رضى الله عنهما فى يوم عيد فى يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس رضى الله عنهما بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: "أصاب السنة".
وأضاف جمعة أن هذا لا يصلح دليلا لتطرق الاحتمال إليه، وما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، فإنه لا يدل على أنه لم يصل الظهر فى منزله بل فى قول عطاء إنهم صلوا وحدانا "أى ظهر" ما يشعر بأنه لا قائل بسقوط الظهر حينئذ..
ويمكن حمل هذا المذهب على من يرى تقديم الجمعة قبل الزوال، وهذا مروى عن الإمام أحمد وبل وعن عطاء نفسه، حيث نقل عنه قوله "كل عيد حين يمتد الضحى : الجمعة والأضحى والفطر" وهذا التوجيه تؤكده رواية وهب بن كيسان عند النسائى حين قال: " اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يوم الجمعة"، إذ من المعلوم أن خطبة الجمعة تكون قبلها وخطبة صلاة العيد بعدها لا قبلها، ولذلك قال أبو البركات ابن تيمية رحمه الله تعالى : "قلت : إنما وجه هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال فقدمها وأجتزأ بها عن العيد" .
كما لم يعهد من الشارع أنه جعل الصلوات المكتوبات أربعا فى أى حالة من الحالات حتى فى حالة المرض الشديد بل وحتى فى الالتحام فى القتال بل هى خمس على كل حال كما هو منصوص قطعيات الشرع الشريف، فى مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابى فى تعداد فرائض الإسلام : "خمس صلوات فى اليوم والليلة" متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل الله عنه حين بعثه إلى اليمن:"فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة " متفق عليه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" خمس صلوات كتبهن الله على العباد " رواه الإمام مالك فى الموطأ وأبو داود والنسائى من حديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه إلى غير ذلك من النصوص المتكاثرة، وإذا كانت الصلاة المفروضة لا تسقط بأداء صلاة مفروضة مثلها فكيف تسقط بأداء صلاة العيد التى هى فرض كفاية على المجموع وسنة على مستوى الفرض.
وقد أوجب الشرع الشريف هذه الصلوات الخمس لذاتها على اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال - إلا فيما استثناه من حيض المرأة ونفاسها - حتى إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبر عن مدة لبث الدجال فى الأرض فقال : " أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم " قال له الصحابة يا رسول الله فذلك اليوم الذى كسنه أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: "لا ؛ أقدروا له قدره"، رواه مسلم وهذا كالنص على عدم سقوط أى صلاة مكتوبة على أى حال وفى أى زمان، وعلى ذلك فالقول بسقوط الجمعة والظهر معا بصلاة العيد قول لا يعول عليه؛ لضعف دليله من جهة وعدم تحرير النسبة إلى قائله من جهة أخرى.