علي كثرة الكتب والمذكرات التي صدرت عن الملك فاروق في غمرة إزدهار مبدأ( إعادة قراءة التاريخ) الذي يتبناه المؤرخ الكبير د. يونان لبيب رزق, وهو مبدأ إيجابي نقف في صفه ونؤيده, إذ إنه يتيح معه قراءة موضوعية ذات نظرة شاملة ورحبة للتاريخ.. بعيدة عن التحيزات والرقابات التي كانت تفرضها مرحلة بعينها كتبت خلالها وقائع ورصدت أحداث وفرضت رؤي أحادية لا تقبل الجدل ولا ترضي بالنقاش.. علي خلفية هذا المبدأ إذن يأتي كتاب( سنوات مع الملك فاروق والذي كتبه الدكتور حسين حسني السكرتير الخاص للملك فاروق.
وأهمية الكتاب تعود في الحقيقة لعاملين أساسيين اولهما: كون الكاتب هو د. حسين حسني الذي عمل في البلاط الملكي لمدة اثنين وعشرين عاما كاملة, عاصر خلالها عهد الملك فؤاد( عمل مع كبير الامناء منذ عام1930 وحتي عام1937), ثم شغل منصب السكرتير الخاص للملك فاروق منذ عام1937 الي ان تنازل الملك عن العرش عام1952, اي انه عاصر عهد الملك فاروق بأكمله.
وقداتاحت له هذه السنوات الطويلة التي قضاها في البلاط الملكي والي جوار الملك فاروق علي وجه الخصوص التعرف علي ادق التفاصيل والاسرار لوقائع واحداث عاصرها بنفسه وشاهدها بعينيه ومن ثم تكتسب شهادته اهمية وخصوصية فريدة.. يقول الدكتور حسني في مقدمة الكتاب: إني لم اعمد في مذكراتي الي سرد التاريخ التام لعهد الملك فاروق, بل قصرت كلامي علي ما شاهدته بنفسي, او اشتركت في التفكير فيه, أو وضع خطته او الشروع في تنفيذه, لأنه ليس لي من غاية من وراء نشر هذه المذكرات سوي أداء واجب الإدلاء بشهادتي أمام محكمة التاريخ.
العامل الثاني الذي برأيي يكسب هذا الكتاب أهمية يعود الي شخصية الكاتب نفسه المعروفة بالنزاهة والوطنية والاستقامة, والتي ربما ــ لهذه الأسباب تحديدا ـ لم تستطع ان تضفي تأثيرا ملموسا علي قرارات الملك المحاط بشخصيات عديدة فاسدة, لتكشف شهادته لناـ كما يقول طارق البشري في مقدمة الكتاب ـ أن القصر الملكي في ذلك العهد, لم يكن كل رجاله من امثال احمد حسنين, ولا من امثال كريم ثابت, وعدلي اندراوس, ولا امثال الشماشرجية وانطوان بوللي, ولكن كان فيه رجال وطنيون وشرفاء وعلماء, كانوا قلة ولم يتح لهم التأثير الفعال ولكن كانوا موجودين وحافظوا علي نقائهم حتي النهاية.
يقع الكتاب في ثلاثة وعشرين فصلا(380 صفحة) ويغطي كل الظروف والملابسات التي عايشها الكاتب خلال تلك السنوات الطويلة التي قضاها في ارجاء البلاط الملكي.. فهو يروي لنا قصته منذ بداية البداية.. منذ اللحظات الأولي لالتحاقه بخدمة القصر في عهد الملك فؤاد عام1930, ثم ينتقل بنا الي بدايات اتصاله( بالملك الشاب) ورحلة اوروبا التي وثقت الصلة بينهما.. ثم يعرض بعد ذلك لسنوات بداية تولي الملك فاروق.. وينتقل بنا بعد ذلك الي مرحلة تسلم علي ماهر لرئاسة الديوان الملكي, وهناك فصول عن وزارة علي ماهر ووزارة حسين سري الأولي ووزارة النحاس, وفصول اخري تتحدث عن سياسات الملك ومحاولاته للتقرب من الشعب, وأخري تحكي عن اهتماماته العلمية والوطنية وهناك كذلك فصل عن الشئون العربية التي شغلت الملك, وآخر عن الغاء معاهدة1936, ثم يأتي فصلا النهاية تحت عنوان: بداية النهاية.. ونهاية عهد وبداية عهد جديد.
والمكسب الحقيقي الذي أستشعره هنا, هو ذلك الانفتاح الذي حدث مع كثرة صدور كتب تعيد قراءة التاريخ من جديد. ولا يعني ذلك بالتأكيد اننا نقف في صف عهد الملكية, وندين عهد الثورة لكنه يعني اولا واخيرا ان نتمكن من قراءة تاريخنا بوعي وموضوعية وبقدر من الأمانة والصدر الرحب .
حمل من
http://www.4shared.com/file/52402054/c50727f9/__________.html |