الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمان الرحيم
الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه
ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته –
فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح – "
سبحان الله ...
وما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال :
" وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي , وأمه خلفه تطرده حتى خرج ,
فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , ولا من يؤويه غير والدته ,
فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام ,
وخرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , والتزمته تقبله وتبكي وتقول :
يا ولدي , أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟
ألم اقل لك لا تخالفني , ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك . وارادتي الخير لك ؟
ثم أخذته ودخلت" .
فتأمل قول الأم :
لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم :
" الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها "
وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟
فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد أستدعى منه صرف تلك الرحمة عنه , فإذا تاب إليه فقد أستدعى منه ما هو أهله وأولى به .
فهذه تطلعنا على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها .
حين تقع في المعصية وتلم بها فبادر بالتوبة وسارع إليها , وإياك والتسويف والتأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل ,
وما يدريك لو دعيت للرحيل وودعت الدنيا وقدمت على مولاك مذنبا عاصي ,
ثم أن التسويف والتأجيل قد يكون مدعاة لاستمراء الذنب والرضا بالمعصية ,
ولئن كنت الآن تملك الدافع للتوبة وتحمل الوازع عن المعصية فقد يأتيك وقت تبحث فيه عن هذا الدافع وتستحث هذا الوازع فلا يجيبك .
لقد كان العارفون بالله عز وجل يعدون تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوبوا منه قال العلامة ابن القيم :
" منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور , ولا يجوز تأخيرها , فمتى أخرها عصى بالتأخير ,
فإذا تاب من الذنب بقي عليه التوبة من التأخير , وقل أن تخطر هذه ببال التائب , بل عنده انه إذا تاب من الذنب لم يبقى عليه شيء آخر " .
ومن موجبات التوبة الصحيحة :
كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب ,
تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة , قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحا ذليلا خاشعا ,
فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتهم توبته . وليرجع إلى تصحيحها , فما أصعب التوبة الصحيح بالحقيقة , وما أسهلها باللسان والدعوى.
فإذا تكرر الذنب من العبد فليكرر التوبة , ومنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله : أحدنا يذنب , قال يكتب عليه ,
قال ثم يستغفر منه ويتوب ,قال : يغفر له ويتاب عليه ,
قال : فيعود فيذنب ، قال : يكتب عليه ,
قال :ثم يستغفر ويتوب منه ,قال : يغفر له ويتاب عليه .
قال : فيعود فيذنب . قال :"يكتب عليه ولا يمل الله حتى تملوا "
وقيل للحسن رضي الله عنه : ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود , ثم يستغفر ثم يعود ,
فقال : ود الشيطان لو ضفر منكم بهذه , فلا تملوا من الاستغفار .
إن الهلاك كل الهلاك في الإصرار على الذنوب
وان تعاظمك ذنبك فاعلم أن النصارى قالوا في المتفرد بالكمال : ثالث ثلاثة .
فقال لهم : ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه )
وإذا كدت تقنط من رحمته فان الطغاة الذين حرقوا المؤمنين بالنار عرضت عليهم التوبة :
( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ... )
هذا والله أعلم ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .