يأتي اليوم العالمي للممرضات في الثاني عشر من يونيو متزامناً مع ذكرى ميلاد فلورنس نايتينجيل رائدة التمريض، حيث تقرر الاحتفال به كل عام في نفس يوم ميلادها كنوع من التكريم لها وإحياء لذكرى مؤسسة التمريض الحديث.
امرأة متمردة
ولدت فلورنس نايتينجيل في الثاني عشر من مايو 1820 ببلدة فلورنسا الإيطالية في عائلة ميسورة الحال من الطبقة العليا، تؤمن بأهمية التعليم للمرأة، والداها هما ويليام إدوارد نايتينجيل، وفرانسيس نايتينجل.
قررت فلورنس الاتجاه للتمريض عام 1845 هذا على الرغم من الاعتراض الشديد الذي واجهته من عائلتها، حيث تمردت فلورنس على التقاليد المتعارف عليها بأن المرأة - خاصة الثرية - يجب أن تعد لتكون زوجة وأم فقط.
عملت فلورنس بجدية على تثقيف وتعليم نفسها في شتى المجالات في الفنون والعلوم والتمريض، واهتمت بالمرضى خاصة من الفقراء، وأصبحت فلورنس من أشهر الداعيات إلى تحسين الخدمات الطبية في المستشفيات.
التمريض أولاً
عشقت فلورنس التمريض ولم يكن في نظرها مجرد مهنة بل كان رسالة ومهمة إنسانية جليلة يجب أن تؤدى على أكمل وجه، ووضعت فلورنس في مذكراتها عدد من المبادئ الأساسية التي يجب أن تتحلى بها الممرضة مثل أن تبتعد عن الأقاويل والشائعات، وأن تحفظ أسرار مرضاها، وتكون أمينة عليهم، لا تتأخر عن رعايتهم وتلبية طلباتهم لأنهم وضعوا حياتهم بين يديها، أن تكون دقيقة الملاحظة رقيقة المعاملة حساسة لشعور الغير.
وتعتبر فلورنس هي أول من وضع قواعد التمريض الحديث، وأسست مدرسة لتعليم التمريض وتدريب الممرضات، ووضعت مستويات للخدمة التمريضية والخدمات الإدارية في المستشفيات، كما أولت اهتماما لقواعد النظافة والتطهير، والصحة العامة في المجتمع.
مشاركتها في حرب القرم
لم تتردد نانيتينجل للحظة في المشاركة في حرب القرم وذلك عندما توالت التقارير المختلفة في بريطانيا عن الظروف المروعة التي يعاني منها الجرحى في هذه الحرب.
وفي 21 أكتوبر 1854 تلقت نايتينجل ومعها 38 سيدة من المتطوعين من النساء والممرضات التدريب اللازم، وتم إرسالهم لتركيا على بعد 545 كم عبر البحر الأسود إلى منطقة بالاكلافا في القرم حيث المعسكر الرئيسي للقوات البريطانية.
عندما وصلت فلورنس ومن معها من الممرضات وجدن عدد كبير من الجنود الجرحى في حالة سيئة وذلك بسبب الإهمال ونقص الرعاية الطبية وعدم توفير الأدوية أو الغذاء اللازم للمرضى، مع زيادة دائمة في معدلات الوفيات وكان الجنود الذين يموتون بسبب تفشي أمراض الكوليرا والتيفوئيد وغيرها، أكثر من الجنود اللذين يموتون متأثرين بجراح الحرب وذلك بسبب نقص الرعاية الطبية وقلة التهوية والتكدس.
وعقب وصول نايتنجيل بستة أشهر تم إرسال لجنة صحية من الحكومة البريطانية عام 1855، فتم تنظيف البالوعات وتحسنت التهوية وبالتالي انخفضت معدلات الوفيات كثيراً عما كانت عليه.
بذلت فلورنس الكثير من الجهد، وقامت بتمريض الجنود في الجيش، والسهر من اجل رعايتهم وتقديم الخدمات الطبية لهم وتضميد جروحهم.
ونتيجة لمجهوداتها في الحرب قام الشعب الإنجليزي بالتبرع لها من أجل إنشاء مدرسة متخصصة لتعليم الممرضات في مستشفى سان توماس بانجلترا، وجاءت هذه المدرسة نتيجة لإيمان فلورنس بأهمية وضع برنامج لتعليم التمريض وتدريس آداب المهنة، وأن تكون هذه المهنة موظفة في أيدي سيدات مدربات وعلى أخلاق عالية ويتحلين بالعديد من الصفات الحميدة والتي تليق بهذه المهنة الجليلة، وقد عملت على انتقاء الطالبات بدقة عالية لتقديمه في النهاية ممرضات صالحات وعلى مستوى عالي من التدريب والمهارة، لكي يتعاملن مع المرضى بمختلف شخصياتهم ولتلبية احتياجاتهم وان لا يتم التعامل معهم كقطع جماد أو حجارة، وقالت في ذلك: "أن التمريض يمرض أجساما حية وأرواح".
جائزة نايتينجل
قامت لجنة الصليب الأحمر الدولية عام 1912 بتأسيس جائزة "نايتينجل" والتي تقدم كل عامين للممرضات المتميزات، وتعد هذه الجائزة أعلى تكريم في التمرض الدولي.
وقد تأسست منظمة الصليب الأحمر الدولي عقب حرب القرم عام 1863، وهي منظمة مستقلة محايدة تقوم بمهام الحماية الإنسانية وتقديم المساعدة لضحايا الحرب والعنف المسلح، وقد خرجت هذه المنظمة من وحي ما قامت به "فلورنس نايتينجيل" من أعمال إنسانية خلال هذه الحرب كمتطوعة لتضميد جراح الأسرى والمصابين من المقاتلين.
سيدة المصباح
أطلق على نايتنجيل لقب "سيدة المصباح" أو السيدة حاملة المصباح نظراً لكونها كانت تحمل مصباحها ليلاً وتنطلق في ميادين القتال بحثاً عن الجرحى والمصابين لإسعافهم وتطيب جروحهم.
حتى قال فيها الشاعر هنري وادزورث لونجفيلو
Lo! in that hour of misery
A lady with a lamp I see
Pass through the glimmering gloom,
And flit from room to room
وترجمته
في هذه الساعة من البؤس
أرى سيدة مع مصباح
تمر لامعة في وسط الكآبة
تتنقل من غرفة لغرفة
وكنوع من التقدير لهذه السيدة التي شغل التمريض حيز كبير من حياتها، تم إنشاء عدد من التماثيل لها وحملت المتاحف والشوارع اسمها، فشيد لها تمثال بقصر وترلو بويستمينستر في لندن، ويوجد لها ثلاث تماثيل أخرى بمدينة ديربي، كما يوجد متحف فلورنس ناينتجيل بلندن، وغيرها من التماثيل والمتاحف الأخرى.
قبر نايتينجيل
الوفاة
توفيت فلورنس نايتينجل في الثالث عشر من أغسطس عام 1910 وهي في التسعين من عمرها رحلت بسلام أثناء نومها، بعد حياة حافلة قضتها في رعاية المرضى، وتدريب الممرضات ورفع كفاءتهن ومهارتهن.