لقد كنت في غفلة من هذا
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، واشهد أن لا إله إلاالله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وعلى مكن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد:
عباد الله: إن طريقة القرآن في التنبيه على سبل النجاة وبيان أسباب الحرمان والخسارة في الدنيا والآخرة، ذكرُ الأسباب الرئيسية، التي تدور عليها أسباب الانحراف والضلال، ويركز القرآن عليها ليجلي لنا تلك الأسباب حتى ننهضَ بأنفسنا، ونسعدَ في الدنيا والآخرة، وإن من الأسباب المهمة التي أشار إليها القرآن الكريم: الغفلة نعم الغفلة بكل صورها وأشكالها فالقرآن أشار إلى أعظم أنواع الغفلة وهي الغفلة عما خلق الإنسان له وهي أن يكون عبداً لله وحده لا غير {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف172]، وعندما يعاين الكفار هذه الحقيقة العظيمة يصرحون بأن سبب كفرهم وضلالهم هو الغفلة {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء97].
بل الضلال والحرمان من كل خير سببه الغفلة كما قال سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف146]
إن الغفلة عن الحياة الحقيقة هي حقيقة الحرمان وحقيقة البؤس والشقاء، إن الذي لم يطعم حقيقة الإيمانِ والتوحيد ِوالإخباتِ لله والانطراحِ بين يديه والذلِّ له وحده دون ما سواه يعيش بعيداً عن الحياة الحقيقية ولو حاز الكنوز والقصور، ولو ركب الطائرات واستقل السفن والباخرات، ولو سكن في الناطحات، ويجلي لنا القرآن حقيقة الحضارات الزائفة التي عبدت المادة وأعلت من شأنها ولم تهتم بشأنِ الإنسانِ، وروحِهِ المتعطشةِ للإيمان يقول المولى جل في علاه {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم7]، إن أصحاب الحضارات المادية لن يقدموا السعادة للبشرية إلا بمنهج الإسلام الذي يقرر الحقيقة الغائبة عنهم وهي أن الدنيا زائلة وأن عمارة الأرض سبب نتقوى به حتى نجوز إلى تلك الدار الأبدية السرمدية، ولهذا كانت الغفلة التي يشير إليها القرآن هي الغفلة عن هذه الحقيقة العظيمة وهي أن الموت حق وأن الساعة حقة وأن الجزاء والحساب حق كما قال سبحانه، {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ . وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ . وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ . لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}..
فهذه الغفلة عن الحقيقة التي يكره ذكرها كثير من الناس ولكن لا بد من تذكرِها وعدمِ الغفلة عنها حتى تستقيمَ حياة الإنسان، ويسلمَ من الانحراف والضلال، وأما الغفلة عن الآخرة وعن يوم الجزاء والحساب فيقول المولى جل وعلا: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم39]، ويقول سبحانه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} [الأنبياء1].
عباد الله: وإن من الأمور الخطيرة هي الغفلة عن آيات الله الكونية، وعظاته الربانية التي يلفت بها عباده، ولهذا فإن الغفلة عن هذه الآيات والعظات سبب في حلول العقوبات الربانية كما قال ربنا جل وعلا: {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام131]، ويقول سبحانه: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف136]،
واعلموا رحمكم الله أن الغفلة غالبة على بني البشر: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس92]
والسعيد من وعظ بغيره، والخير كل الخير هو في النجاة والسلامة من الغفلة
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
جزاك الله خيرا و اجزل لك المثوبه لانموضوع الغفلة هذا من أخطر المواضيع المرتبطة بالقلوب، نظراً لأنَّه قد يحوِّل الطاعة إلى أن تكون سبباً في عدم دخول الجنَّة والعياذ بالله تعالى